قد ظهر بما سبق جوز الاكتفاء بما دون الصاع، فهل يكفي المسح كالدهن أو لا بد من الجريان؟ ظاهر الأصحاب الثاني متمسكا بعدم صدق الغسل بدون الجريان، و بصحيحة محمد، و حسنة زرارة المتقدمتين في بحث الترتيب و حسنة زرارة المتقدمة آنفا، و ما ورد في بعض الروايات السابقة من لفظ الإفاضة، و حملوا الروايات الواردة بإجزاء الدهن و نحوه على المبالغة و التجوز، و أنت خبير بأنه لو لم يكن إجماع على ما ذكروه لكان الظاهر جواز الاكتفاء بالدهن الحقيقي، لظاهر الروايات، و عدم صلاحية ما تمسكوا به من الوجهين لمعارضتها.
أما الأول، فلعدم معلومية المعنى الحقيقي للإظهار و الاغتسال في عرف الشرع، و لو سلم فحمل الروايات المذكورة على المجاز ليس بأولى من حمله عليه، بل الأمر بالعكس لمعاضدتها بالأصل.
و أما الثاني، فلجواز حملها على المتعارف بلا ارتكاب خلاف ظاهر، و لو سلم عدم الظهور، ففيه ما ذكرنا ثانيا في الوجه الأول. و لا يخفى أنه لو تحقق الصب في بعض الأعضاء ثم اكتفى بالمسح في بعض آخر فالجواز فيه أظهر، إذ يصير حينئذ دعوى عدم صدق