تخصيص سائر الأدلّة به إذا انتهى مدلوله إلى حدّ العسر و الحرج، أو طرحها به، ظاهر استدلال العلماء الثاني، مع أنّ الأوّل لا فائدة فيه يعتدّ بها، بل هو حينئذ يساوق أصل البراءة و لا يجدي فائدة أزيد ممّا أفادته،
[ملاك الضرر الرافع للتكليف]
و لكن الإشكال في تحقيق مقداره، و تعيين موضع الاستدلال به، و الظاهر أنّهم يكتفون بلزوم المشقّة الّتي تعدّ في العادة صعبة، و تتفاوت الأحوال و الأشخاص في تحمّل ذلك و صعوبته و عدمه، و لذلك جوّز الشارع التيمم لمظنّة الضرر بالوضوء أو الغسل من جهة البرد، أو من جهة عوز الماء لشربه أو لشرب أخيه، بل و دابته.
و كذلك جوّز الإفطار للمريض إذا خاف الضرر، و اكتفى فيه بظنّ الضرر.
و كذا رخّص في القعود و الاضطجاع و الاستلقاء في الصلاة إذا صعب عليه القيام و اكتفى في جميع ذلك أو أكثره بحصول المظنّة، و في بعضها صرّح بأنّ الإنسان على نفسه بصيرة، كما في حسنة ابن أذينة، قال: كتبت إلى أبي عبد اللّه (عليه السلام): ما حدّ المرض الذي يفطر صاحبه، و المرض الذي يدع صاحبه الصلاة؟ فقال: «بل الإنسان على نفسه بصيرة». و قال: «ذلك إليه، هو أعلم بنفسه» [1].
و المراد من قوله: «يدع صاحبه الصلاة» يعني من قيام، كما في رواية أخرى [2].
و في صحيحة بكر بن محمّد الأزدي عنه (عليه السلام)، قال: سأله أبي و أنا أسمع عن حدّ المرض الذي يترك الإنسان فيه الصوم، قال: «إذا لم يستطع أن يتسحّر» [3]. بل الظاهر من كثير منها أنّهم (عليهم السلام) اكتفوا في رفع التكليف بالضرر الذي ليس شديدا أو كثيرا، كما في حكاية تجويزهم التيمّم لمن حصل على إصبعه جرح قليل و وضع عليه
[1]. الكافي 4: 118، ح 2؛ تهذيب الأحكام 4: 256، ح 758؛ الاستبصار 2: 114، ح 371؛ الفقيه 2: 83، ح 369، وسائل الشيعة 7: 157، أبواب من يصح منه الصوم، ب 20، ح 5.
[2]. الفقيه 2: 83، ح 369؛ وسائل الشيعة 4: 698، أبواب القيام، ب 6، ح 2.
[3]. الفقيه 2: 83، ح 371؛ وسائل الشيعة 7: 156، أبواب من يصحّ منه الصوم، ب 20، ح 1.