و لذلك يقال: الإنسان بالعقل إنسان، أو بالكمال إنسان، و نحو ذلك.
فيقال: إنّ ذات الإنسان و حقيقته هو عقله و كماله ادّعاء.
و لمّا كانت الذوات منقسمة إلى الكاملين و الناقصين، و هو (عليه السلام) صار باعثا للتذويت كلّها باعتبار التكميل و العليّة الغائية، فيصدق أنّه ذات الذوات كلّها. فأمّا بالنسبة إلى الكاملين فنسب إفاضة الكمال إليهم و صيرورتهم كاملين بمتابعته و اقتفائه فهو مذوّتهم في الذات الادّعائي؛ لانطباع كمالاته فيهم، فكأنّ ذاته الادّعائيّة صارت ذاتا ادّعائيّة لهم، فهو هم في الذوات و مذوّتهم في الذات، يعني محصّل لهم الذات الادّعائيّة بتجلّيه بهذه الذات الادّعائيّة فيهم.
و أمّا بالنسبة إلى غير الكاملين من الذوات: فهو مذوّت لهم للذات، يعني أنّه علّة لإيجادهم، و ذلك ينافي شمول هذا المعنى الكاملين أيضا، لصيرورة هذا المعنى في جنب الأوّل كالعدم بالنسبة إلى الكاملين.
و لك أن تعتبر التقسيم بالنسبة المعنيين مع ملاحظة الحيثيّة و الاعتبار.
و يشير إلى ما ذكرنا ما ذكره في ما كتب إلى معاوية عليه الهاوية في الجواب حيث قال: «و لو لا ما نهى اللّه تعالى من تزكية المرء نفسه لذكر ذاكر فضائل جمّة، تعرفها قلوب المؤمنين، و لا تمجّها آذان السامعين، فدع عنك من مالت به الرمية [1]، فإنّا صنائع ربّنا، و الناس بعد صنائع لنا».
و الصنائع جمع صنيعة، أي الحسنة، يعني من حسنات ربّنا، و المحبوّين بأصناف كرامتنا، مثل قوله تعالى: وَ لِتُصْنَعَ عَلىٰ عَيْنِي[2] و الناس بعد صنائع لنا محبوّون
[1]. قوله (عليه السلام): «من مالت به الرميّة» كالمثل يضرب لمن يميل به عن الحقّ أغراضه الباطلة، و الرمية الصيد يرمى، و أصل المثل أنّ الرجل يقصد صيدا فيعرض له الصيد فيتبعه فيميل به عن قصده الأصلي، أراد (عليه السلام) مصداق المثل معاوية لعنه اللّه، يعني: دع عنك ميلك عن الحقّ بسبب أغراضك الباطلة، أو من اقتفى معاوية عليه اللعنة في إغوائه و أردائه (منه (رحمه اللّه)).