على مخالفة القطع، و هل كان العقاب عليها إلّا عقابا على ما ليس بالاختيار؟
قلت: العقاب إنما يكون على قصد العصيان و العزم على الطغيان، لا على الفعل الصادر بهذا العنوان بلا اختيار.
إن قلت: إن القصد و العزم إنما يكون من مبادئ الاختيار، و هي ليست باختيارية، و إلّا لتسلسل.
قلت:- مضافا إلى أن الاختيار و إن لم يكن بالاختيار، إلّا أن بعض مباديه غالبا يكون وجوده بالاختيار، للتمكن من عدمه بالتأمل فيما يترتب على ما عزم عليه من تبعة العقوبة و اللوم و المذمة- يمكن أن يقال: إن حسن المؤاخذة و العقوبة إنما على نفس القصد و العزم عنده لا على ما عزم عليه فكيف يكون التأمل في تبعة ما عزم عليه موجبا لزوال عزمه، و ذلك فإن اللوم و المذمّة و استحقاق العقاب مترتب على العصيان و بما أنّ القاطع لا يحتمل خلاف قطعه و لا يرى ارتكابه حال الفعل إلّا معصية يكون تأمله في تبعة العصيان موجبا لارتداعه عن قصده و عزمه، نعم يرد على الماتن من أن العزم و القصد لا يكون اختياريا بذلك، فإن ملاك الاختيارية عندهم كون الشيء بالإرادة و الاختيار، و الاختيارية بالنحو الذي ذكره يناسب مسلك المتكلّمين في الأفعال و بناء على مسلكهم تجري تلك الاختيارية في نفس الإرادة حيث إنّها أيضا قابلة للزوال بالتأمل المزبور، و لا تكون إلّا داعيا إلى الارتكاب لا علة تامة لحصول الفعل كما هو مقرّر عندهم، و لعله لذلك أجاب ثانيا بأنّه لا ينبغي التأمل بأنّ بعد العبد عن المولى يترتب على التجري، و العقاب من تبعة هذا البعد، كما أنّ العقاب أيضا من تبعة البعد الحاصل بالعصيان، و إذا أمكن حصول البعد بالتجري و إن لم يكن التجري أمرا اختياريا فلا مانع أيضا أن يوجب استحقاق العقاب مع عدم كونه غير اختياري، و حصوله بسبب سوء سريرته و خبث باطنه بحسب نقصان ذاته