ثم لا يخفى ثبوت الثمرة بين التخصيص و النسخ، ضرورة أنه على التخصيص يبنى على خروج الخاص عن حكم العام رأسا، و على النسخ، على ارتفاع حكمه عنه من حينه، فيما دار الأمر بينهما في المخصص، و أما إذا دار بينهما في الخاص و العام، فالخاص على التخصيص غير محكوم بحكم العام أصلا، و على النسخ كان محكوما به من حين صدور دليله، كما لا يخفى.
داعية إلى هذا الاخبار، ثم يظهر سبحانه و تعالى ما أمر نبيّه أو وليه عدم إظهاره في الابتداء من عدم وقوع العذاب أو غيره و يبدي ما خفي على العباد ثانيا، فيكون البداء من اللّه سبحانه و تعالى بمعنى الإبداء و الإظهار، و إطلاق البداء على هذا الإبداء لشباهته بالبداء من غيره سبحانه و تعالى صورة من ثبوت الشيء في المستقبل أو الإخبار به أوّلا و ظهور خلافه ثانيا مما كان خفيا على من بيده الإثبات و القرار و الاخبار.
أقول: الأخبار الواردة في البداء [1] متواترة إجمالا، و قد ورد في بعضها أنّ البداء مما يعبد به اللّه سبحانه و تعالى، و أنّه تعظيم للّه سبحانه و تعالى، و أنّه ما بعث نبيّا إلّا و قد ألزم أن يعلم أنّ اللّه سبحانه و تعالى يقدّم ما يشاء و يؤخّر ما يشاء، و أنّ للّه سبحانه و تعالى علمين علم مخزون لا يعلمه إلّا هو فمن ذلك يكون البداء، و علم علّمه ملائكته و رسوله و أنبيائه فنحن نعلمه، و أنّ من الأمور أمور موقوفة عند اللّه يقدّم ما يشاء و يؤخّر منها ما يشاء إلى غير ذلك.
و ليتّضح مفاد الاخبار لا بدّ من ملاحظة أمرين:
الأوّل: عدم تخلّف العلم عن المعلوم، فالعلم المخزون عند اللّه لا يتخلّف عن المعلوم خارجا، و إلّا لم يكن علما، سواء كان حضوريا أو حصوليا، و لكنّ هذا العلم أيضا لا يوجب خروج المعلوم- إذا كان فعلا من الافعال- عن قدرة الفاعل و اختياره،