لكونه شموليا، بخلاف المطلق فإنه بالحكمة، فيكون العام أظهر منه فيقدم عليه، فلو فرض أنهما في ذلك على العكس، فكان عام بالوضع دل على العموم البدلي، و مطلق بإطلاقه دل على الشمول، لكان العام يقدم بلا كلام.
و أما في الثاني (1): فلأن التقييد و إن كان خلاف الأصل، إلّا إن العمل- الذي يوجب عدم جريان مقدمات الحكمة، و انتفاء بعض مقدماته- لا يكون على خلاف الأصل أصلا، إذ معه لا يكون هناك إطلاق؛ كي يكون بطلان العمل به في الحقيقة مثل التقييد الذي يكون على خلاف الأصل.
و بالجملة: لا معنى لكون التقييد خلاف الأصل إلّا كونه (2) خلاف الظهور المنعقد للمطلق ببركة مقدمات الحكمة، و مع انتفاء المقدمات (3) لا يكاد ينعقد له هناك
(1) بعد ما فرغ المصنف عن جواب الوجه الأول شرع في الجواب عن الوجه الثاني و هو:
استلزام تقييد الهيئة لارتكاب خلاف أصلين، و استلزام تقييد المادة ارتكاب خلاف أصل واحد.
و حاصل الجواب عن الوجه الثاني يتضح بعد تقديم مقدمة و هي: الفرق بين تقييد إطلاق المطلق بعد انعقاده بجريان مقدمات الحكمة، و بين إيجاد المانع عن جريان مقدمات الحكمة، الموجبة لانعقاد إطلاق المطلق.
و حاصل الفرق: أن الأول مخالف للأصل دون الثاني؛ إذ ليس إيجاد المانع عن انعقاد الإطلاق كالتقييد في المخالفة للأصل؛ لأن المراد بالأصل هنا هو الإطلاق، و من المعلوم: إنه لا إطلاق عند عدم جريان مقدمات الحكمة.
إذا عرفت هذه المقدمة فيتضح لك: أن ما ذكر من كون التقييد في الهيئة يوجب بطلان الإطلاق في المادة- و هو خلاف الأصل- غير تام؛ إذ تقييد الهيئة لا يوجب تقييد إطلاق المادة حتى يكون على خلاف الأصل.
بل تقييد الهيئة يوجب عدم انعقاد الإطلاق في جانب المادة، و هذا ليس مخالفا للأصل أصلا.
فقول الشيخ في بيان الكبرى- حيث قال: «و لا فرق في الحقيقة بين تقييد الإطلاق، و بين أن يعمل عملا يشترك مع التقييد في الأثر و بطلان العمل به»- غير مستقيم؛ لما عرفت من الفرق بينهما: من أن الأول: على خلاف الأصل دون الثاني. فالقياس بينهما قياس مع الفارق.
(2) أي: كون التقييد «خلاف الظهور ...» إلخ.
(3) أي: يكفي في عدم انعقاد الإطلاق انتفاء إحدى مقدمات الحكمة، من دون الحاجة إلى انتفاء الجميع.