أما في الأول (1): فلأن مفاد إطلاق الهيئة و إن كان شموليا بخلاف المادة، إلّا إنه لا يوجب ترجيحه على إطلاقها؛ لأنه أيضا كان بالإطلاق و مقدمات الحكمة.
[تقديم ما هو مستند إلى الوضع على ما هو مستند إلى مقدمات الحكمة]
(1) أجاب المصنف كلا الوجهين، و حاصل جوابه عن الوجه الأول يتضح بعد تقديم مقدمة و هي: الفرق بين الشمول المستفاد من مقدمات الحكمة، و بين الشمول المستفاد من الألفاظ الموضوعة للعموم، و الفرق بينهما: أن الشمول المستفاد من الإطلاق إنما هو بمقدمات الحكمة، و العموم المستفاد من ألفاظ العموم إنما هو بالوضع، و الأول: كالمفرد المحلى باللام بناء على عدم وضعه للعموم، فعمومه إنما هو ببركة مقدمات الحكمة، كقوله تعالى: أحلّ اللّه البيع، فالمستفاد من البيع هو العموم الشمولي ببركة مقدمات الحكمة، كما أن المستفاد من المفرد المنكر في نحو: «أكرم عالما» هو العموم البدلي بمقدمات الحكمة.
و الثاني: كالجمع المحلي باللام في نحو: «أكرم العلماء»؛ حيث إن عمومه إنما هو بالوضع لا بمقدمات الحكمة.
إذا عرفت هذه المقدمة فيتضح لك: إن إطلاق الهيئة و إن كان شموليا و الآخر بدليّا؛ إلّا إن المناط في ترجيح أحد الإطلاقين على الإطلاق الآخر ليس كون أحدهما شموليا و الآخر بدليا؛ بل المناط في الترجيح هو الاستناد إلى الوضع؛ لأن الأقوى هو ما يكون مستندا إليه، و قد عرفت: عدم كون شمول إطلاق الهيئة بالوضع، بل هو مثل بدلية إطلاق المادة إنما هو بمقدمات الحكمة، فليس أحدهما أقوى من الآخر.
و قوله: «لأنه أيضا» تعليل لعدم الترجيح. نعم؛ إذا كان الإطلاق الشمولي مستندا إلى الوضع كما في الجمع المحلى باللام، و الإطلاق البدلي مستندا إلى مقدمات الحكمة مثل:
الإطلاقات المنعقدة لأسماء الأجناس مثل: لفظ «البيع»، و «الربا» في قوله تعالى: أحل اللّه البيع و حرّم الرّبا؛ قدم الإطلاق الشمولي الوضعي على الإطلاق البدلي الحكمي، لا بملاك كونه شموليا؛ بل بملاك كونه وضعيا، و على هذا ففي المقام حيث إن كلا من إطلاق الهيئة و إطلاق المادة مستند إلى مقدمات الحكمة، فلا ترجيح لأحدهما على الآخر؛ و لو كان إطلاق الهيئة شموليا و إطلاق المادة بدليا.
و السر في تقديم ما هو مستند إلى الوضع على ما هو مستند إلى مقدمات الحكمة هو: أن من مقدمات الحكمة عدم البيان و عدم ما يصلح للقرينية، و الوضع بيان فيجب الاستناد إليه.
و لكن مقتضى مقدمات الحكمة يختلف؛ فقد يكون عموما شموليا كما في قوله تعالى: أحلّ اللّه البيع الوارد في مقام الامتنان على العباد، و قد يكون بدليا كما في