البعث إنما يكون لإحداث الداعي للمكلف إلى المكلف به بأن يتصوره بما يترتب عليه من المثوبة، و على تركه من العقوبة، و لا يكاد يكون هذا إلّا بعد البعث بزمان، فلا محالة يكون البعث نحو أمر متأخر عنه بالزمان، و لا يتفاوت طوله و قصره، فيما هو ملاك الاستحالة و الإمكان في نظر العقل الحاكم في هذا الباب.
و لعمري (1) ما ذكرناه واضح لا سترة عليه، و الإطناب إنما هو لأجل رفع المغالطة الواقعة في أذهان بعض الطلاب.
بما يترتب عليه من مثوبة على موافقته، و إتيان متعلقه، و عقوبة على مخالفته، و ترك متعلقه، و هذا مما لا يمكن أن يتحقق إلّا بعد البعث بزمان قصير؛ كما في الواجب المنجز، أو بزمان طويل؛ كما في الواجب المعلق.
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول: إن قياس الإرادة التشريعية بالإرادة التكوينية قياس مع الفارق.
و خلاصة الفرق- ببيان أوضح-: أنه لو سلمنا امتناع الانفكاك في الإرادة التكوينية، فلا بد من الالتزام بالانفكاك في الإرادة التشريعية؛ و ذلك لما عرفت- في المقدمة- من أن المكلف لا ينبعث عن الأمر نحو المأمور به إلّا بعد تصور الأمر و ما يترتب عليه من الثواب على موافقته، و العقاب على مخالفته؛ ليحصل له الداعي إلى الإتيان بالمأمور به، فلا محالة يتأخر الانبعاث الذي هو ظرف الواجب عن البعث، و يتحقق الانفكاك بينهما.
فالمتحصل من جميع ما ذكرناه: أنه لا بد من الالتزام بالانفكاك في الإرادة التشريعية و هي: إرادة الفعل من الغير باختيار ذلك الغير.
(1) يقول المصنف: «و لعمري ما ذكرناه» من تخلف الإرادة التشريعية عن المراد واضح، فلا يكون مستحيلا- كما زعمه بعض أهل النظر- إذ لو كان مستحيلا لكان مستحيلا في الواجب المنجز أيضا؛ لأن ملاك الاستحالة هو: تخلف الانبعاث عن البعث، و هو موجود في الواجب المنجز، فلا فرق بين الواجب المعلق و المنجز في الاستحالة، فإن كان الواجب المنجز ممكنا كان الواجب المعلق أيضا ممكنا؛ إذ لا دخل لطول الزمان و قصره في الاستحالة و الإمكان.
ثم يعتذر المصنف عن إطناب الكلام في المقام- و هو على خلاف ديدنه- بأنّه كان لأجل رفع المغالطة و الاشتباه اللذين وقعا في أذهان بعض الطلاب، كما وقع في ذهن المستشكل المذكور؛ و هو بعض أهل النظر.