و أما حديث لزوم رجوع الشرط إلى المادة لبّا ففيه: أن الشيء إذا توجه إليه، و كان موافقا للغرض بحسب ما فيه من المصلحة أو غيرها، كما يمكن أن يبعث فعلا إليه و يطلبه حالا، لعدم مانع عن طلبه، كذلك يمكن أن يبعث إليه معلقا، و يطلبه استقبالا على تقدير شرط متوقع الحصول لأجل مانع عن الطلب و البعث فعلا قبل حصوله، فلا يصح منه إلّا الطلب و البعث معلقا بحصوله، لا مطلقا و لو متعلقا بذاك على التقدير، فيصح منه طلب الإكرام بعد مجيء زيد، و لا يصح منه الطلب المطلق الحالي للإكرام المقيد بالمجيء، هذا بناء على تبعية الأحكام لمصالح فيها في غاية الوضوح.
و أما بناء على تبعيتها للمصالح و المفاسد في المأمور به، و المنهي عنه فكذلك، ضرورة: أن التبعية كذلك إنما تكون في الأحكام الواقعية بما هي واقعية، لا بما هي فعلية.
فإن المنع عن فعلية تلك الأحكام غير عزيز، كما في موارد الأصول و الأمارات على خلافها، و في بعض الأحكام في أول البعثة، بل إلى يوم قيام القائم «(عجل الله فرجه)»، مع إن حلال محمد «(صلى اللّه عليه و آله)» حلال إلى يوم القيامة، و حرامه حرام إلى يوم القيامة(*)؛ و مع ذلك ربما يكون المانع عن فعلية بعض الأحكام باقيا مرّ الليالي و الأيام؛ إلى أن تطلع شمس الهداية و يرتفع الظلام، كما يظهر من الأخبار المروية عن الأئمة «(عليهم السلام)»(**).
و محصل الجميع: أن الأحكام الشرعية ليست جزافية بضرورة من مذهب العدلية، بل كل واحد من الأوامر و الأحكام قد صدر عن الشارع؛ إما من جهة كون متعلقه مشتملا على مصلحة ملزمة أريد إيصالها إلى العبد، و حينئذ فقد يرى المولى أن الفعل الكذائي على إطلاقه- و بأي وجه حصل مشتمل- على المصلحة أو الحكم الكذائي
(*) بصائر الدرجات، ص 148، ح 7. و في الكافي، ج 1، ص 58، ح 19 عن الصادق «(عليه السلام)»: «حلال محمد حلال أبدا إلى يوم القيامة، و حرامه حرام أبدا إلى يوم القيامة».
(**) و قد وردت روايات كثيرة توضح تفرد القائم ببعض الأحكام؛ لعدم وجود المانع من إظهارها، منها: ما في البحار، ج 52، ص 325، ح 39: قال أبو عبد اللّه «(عليه السلام)»:
«دمان في الإسلام حلال من الله «عزّ و جل» لا يقضي فيهما أحد بحكم الله «عزّ و جل» حتى يبعث الله القائم من أهل البيت، فيحكم فيهما بحكم الله «عزّ و جل»؛ لا يريد فيه بينة: الزاني المحصن يرجمه، و مانع الزكاة يضرب رقبته».