توضيح ذلك بعد تقديم مقدمة و هي: أن الأحكام- على ما هو الحق عند العدلية- تابعة للمصالح و المفاسد؛ إما في نفس الأحكام، أو في متعلقاتها، ثم تلك المصالح تارة:
لا يكون حصولها مشروطا بشرط، و أخرى: يكون حصولها مشروطا بشرط.
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول: إن حال الطلب النفساني الذي يظهر و ينقدح في نفس الطالب و الآمر كحال الإرادة، فإن الإنسان إذا راجع وجدانه و التفت إلى شيء فقد لا يريده أصلا، و قد يريده على كل حال و تقدير، و قد يريده على تقدير دون تقدير، و حال دون حال، بل الطلب هو نفس الإرادة على ما سبق في بحث اتحاد الطلب و الإرادة.
ثم وجه اختلاف الطلب و الحكم إطلاقا و تقييدا: أن الإنسان قد يتوجه إلى شيء فيتعلق به طلبه النفساني لأجل ما فيه من المصلحة، و لكن ربما يمنعه المانع عن إنشاء الطلب المطلق الحالي، فيضطر الإنسان إلى إنشاء طلب مشروط بشرط مترقب الحصول المقارن لزوال المانع ثبوتا لتحصيل تلك المصلحة.
هذا ظاهر بناء على تبعية الأحكام للمصالح في متعلقاتها.
و أما بناء على تبعية الأحكام للمصالح في نفس الأحكام: فالأمر أوضح و أظهر؛ لأنه كما تكون المصلحة في الحكم المطلق بلا قيد؛ فكذا تكون المصلحة في الحكم المشروط.
الأول: كوجوب الصلاة بالإضافة إلى الطهارة. الثاني: كوجوب الحج بالإضافة إلى الاستطاعة؛ إلّا إن الحكم الفعلي قد يتخلف عن المصلحة التامة الكاملة على كلا القولين- هما تبعية الأحكام للمصالح في متعلقاتها أو في أنفسها- كما في موارد قيام الأمارات، أو الأصول العملية على خلاف الأحكام الواقعية الموجب لسقوطها عن الفعلية.
و الحال: أن المصالح في متعلقاتها محفوظة. و كما في بعض الأحكام في أول البعثة، فكم من واجب فيه مصلحة تامة، و الحكم كان مجعولا في الواقع على طبق المصلحة؛ و مع ذلك كان للنبي «(صلى اللّه عليه و آله)» مانع عن إنفاذه و إظهاره. و مقام البحث من هذا القبيل؛ بمعنى: أنه قد يكون الشيء فيه مصلحة تامة، و يتبعها الحكم الواقعي، و لكن يمنع وجود المانع الآمر عن إنشاء الطلب المطلق الفعلي، فحينئذ ينشئ الطلب المشروط الثابت على تقدير شرط متوقع الحصول المقارن لزوال المانع؛ خوفا من أن لا يتمكن من الجعل و الإيجاد المطلق عند زوال المانع، فينشئ الطلب من الآن مشروطا بشرط، و مقيدا بقيد حتى يصير الحكم فعليا عند حصول الشرط بنفسه؛ بلا حاجة إلى خطاب جديد آخر.