الخامس (1): لا يخفى: أن ملاك النزاع في جواز الاجتماع و الامتناع يعم جميع أقسام الإيجاب و التحريم، كما هو قضية إطلاق لفظ الأمر و النهي.
في عموم ملاك النزاع لجميع أقسام الإيجاب و التحريم
(1) الغرض من عقد هذا الأمر هو: بيان تعميم محل النزاع في مسألة الاجتماع لمطلق الوجوب و الحرمة؛ سواء كانا نفسيين، أو غيريين، أو مختلفين، أو كانا عينيين، أو كفائيين، أو مختلفين. أو كانا تعيينيين، أو تخييريين. أو كانا تعبديين، أو توصليين أو مختلفين، بل ملاك النزاع- و هو: سراية كل من الوجوب و الحرمة إلى متعلق الآخر و عدمها- يعم الجميع حتى الأمر و النهي غير الإلزاميين.
و زعم صاحب الفصول: اختصاص النزاع بالوجوب و الحرمة النفسيين التعيينيين العينيين لوجهين:
الوجه الأول: هو الانصراف يعني: ينصرف الذهن من لفظ الأمر و النهي في العنوان إلى النفسيين التعيينيين العينيين، كما ينصرف الذهن من إطلاق لفظ الماء إلى الماء البارد الصافي. هذا ما أشار إليه المصنف بقوله: «و دعوى الانصراف ...» إلخ.
و قد أجاب المصنف عن هذا الوجه: بما حاصله: من أن دعوى انصراف الأمر و النهي «إلى النفسيين التعيينيين العينيين في مادتهما». أي: في مادتي الأمر و النهي؛ «غير خالية عن الاعتساف».
وجه الاعتساف: أن منشأ الانصراف: إما هو غلبة الوجود، و إما كثرة الاستعمال و كلاهما باطل. أما بطلان الأولى:- أعني: غلبة الوجود- لمنعها صغرى و كبرى.
أما صغرى: فلأن الوجوب بمعنى كونه نفسيا تعيينيا عينيا لا يكون غالبا من حيث الوجود في الشريعة المقدسة؛ لكثرة وجود خلافها فيها أيضا.
و أما كبرى: فلأن الغلبة من حيث الوجود- على فرض تسليمها- لا توجب الانصراف عند إطلاق مادة الأمر؛ لأن الموجب للانصراف هو: كثرة الاستعمال لا غلبة الوجود كما قرر في محله.
و أما بطلان الثانية:- أعني: كثرة الاستعمال- فلمنعها أيضا صغرى و كبرى. أما منعها صغرى فلكثرة استعمال لفظ الأمر في الوجوب الغيري و الكفائي و التخييري شرعا.
و أما منعها كبرى: فهي و إن كانت موجبة للانصراف؛ إلّا إنها لا تنفع في خصوص المقام؛ لقيام القرينة العقلية على الخلاف، و هي عموم الملاك و تضاد مطلق الوجوب مع مطلق الحرمة.