إذا ورد أمر بشيء (1) بعد الأمر به قبل امتثاله، فهل يوجب تكرار ذلك الشيء، أو تاكيد الأمر الأول، و البعث الحاصل به، قضية إطلاق المادة (2) هو التأكيد، فإن الطلب تأسيسا لا يكاد يتعلق بطبيعة واحدة مرتين؛ من دون أن يجيء تقييد لها في البين، و لو (3)
[فصل] الأمر بعد الأمر
(1) قبل البحث ينبغي بيان محل النزاع و توضيحه يحتاج إلى مقدمة قصيرة و هي:
أنه إذا ورد أمر بعد أمر آخر؛ فتارة: يكون الأمر الثاني بعد امتثال الأمر الأول، و أخرى:
يكون قبل امتثاله.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم: أن محل النزاع هو: ما إذا ورد الأمر الثاني قبل امتثال الأمر الأول؛ كما إذا قال: «أعتق رقبة»، ثم ورد أمر آخر و قال: «أعتق رقبة»، فيقع الكلام في الأمر الثاني هل إنه يكون تأسيسا حتى يجب عتق رقبتين امتثالا لأمرين، أم يكون تأكيدا للأمر الأول، فلا يجب إلّا عتق رقبة واحدة؟ و أما لو ورد الأمر الثاني بعد الامتثال للأمر الأول فهو خارج عن محل النزاع؛ لأنه يكون تأسيسا بلا خلاف أصلا.
(2) يعني: مادة الأمر؛ كالعتق في المثال المزبور. توضيحه: أن إطلاق مادة الأمر الثاني و عدم تقييدها بما ينوّعه، أو يصنّفه أو يشخصه يقتضي اتحاد المادتين مفهوما، و كون المطلوب بالأمر الثاني عين المطلوب بالأمر الأول، فلا محالة يكون الطلب الثاني تأكيدا له، إذ لو لا التأكيد يلزم اجتماع المثلين؛ نظرا إلى مفاد الهيئة و هما الطلبان. هذا ما أشار إليه بقوله: «فإن الطلب تأسيسا لا يكاد يتعلق بطبيعة واحدة»؛ لاستلزامه المحال و هو اجتماع المثلين، ضرورة: أن صرف الوجود سواء كان من طبيعة الطلب أم طبيعة المطلوب لا يتثنّى و لا يتكرر ما لم ينضم إليها ما يكثّرها نوعا، أو صنفا، أو شخصا. كما في «منتهى الدراية، ج 2، ص 580».
(3) كلمة- لو- وصلية، كأن يقول:- بعد قوله: «أعتق رقبة»- «أعتق رقبة مرة أخرى» فمعنى العبارة: و لو كان التقييد بمثل مرة أخرى، فإن كلمة أخرى مرّة توجب مغايرة متعلق الأمر الثاني لمتعلق الأمر الأول؛ لأن متعلق الأول: هو الوجود الأول.