و حاصل التحقيق: أن الأمر بأحد الشيئين أو الأشياء نظرا إلى الملاك و الغرض ثبوتا على قسمين.
توضيح ذلك يتوقف على مقدمة و هي: أن الوجوب سواء كان تخييريا أو تعيينيا تابع للملاك، و الغرض الذي يكون داعيا إلى الأمر بشيء معين في الوجوب التعييني، و إلى الأمر بشيئين أو أشياء في الوجوب التخييري، ثم ذلك الملاك و الغرض تارة: يكون واحدا يحصل بكل منهما أو منها، و أخرى: يكون متعددا؛ بأن يكون لكل واحد من الشيئين غرض مستقل، فيتعدد الأمر و الحكم بتعدد الغرض.
فإذا عرفت هذه المقدمة فنقول: إن الكلام في تصوير التخيير الشرعي في مقام الثبوت- على ما هو مختار المصنف- يقع في مقامين:
المقام الأول: فرض وحدة الغرض.
و المقام الثاني: تعدده.
و حاصل الكلام في المقام الأول: أن الغرض الداعي إلى الأمر بشيئين أو أشياء واحد، بحيث يسقط الأمر بحصول ذلك الغرض الواحد؛ كرفع العطش الحاصل بكل واحد من الإناءين اللذين أحدهما ماء و الآخر عصير الفاكهة، أو كلاهما ماء. فلا بدّ أن يكون الواجب هو الجامع المنطبق على كل واحد منهما، و يصير التخيير حينئذ عقليا لا شرعيا، و الدليل على ذلك: أن الغرض الواحد- و هو الملاك- لا يصدر إلّا من الواحد، فلا يؤثر فيه المتباينان، أو المتباينات للزوم السنخية بين العلة و المعلول، و هي ممتنعة بين المتباينين بما هما متباينان، و بين الغرض الواحد القائم بكل منهما، فلا محيص عن كون متعلقه جامعا بين المتباينين، كتعلّق الأمر بالصلاة الجامعة بين أفرادها العرضية و الطولية.
و من المعلوم: أن هذا التخيير بين الأفراد عقلي و ليس بشرعي.
غاية الأمر: أنه لمّا لم يكن ذلك الجامع معلوما لدى العقل بمعنى: أن العقل لا يلتفت إليه ليطبقه على أفراده؛ بيّن الشارع أفراد ذلك الجامع الذي هو الواجب حقيقة، فأمر بالفردين أو بالأفراد من ذلك الجامع، فالجامع واجب تعييني، و التخيير بين أفراده عقلي.
هذا تمام الكلام في المقام الأول.
فالمتحصل: أن التخيير يكون عقليا فيما إذا كان هناك غرض واحد و هذا هو مختار المصنف. إذ يأتي تضعيف التخيير الشرعي بفرض تعدد الغرض في المقام الثاني.
و حاصل الكلام في المقام الثاني: أن يكون الأمر بأحد الشيئين أو الأشياء بملاك متعدد؛