فصل إذا نسخ الوجوب: فلا دلالة لدليل الناسخ و لا المنسوخ على بقاء الجواز بالمعنى الأعم، و لا بالمعنى الأخص.
[فصل] مبحث نسخ الوجوب
و قبل الخوض في البحث ينبغي بيان ما هو محل الكلام في المقام.
فنقول: إن محل النزاع هو: بقاء الجواز بالمعنى الأعم، أو بالمعنى الأخص في مقام الإثبات لدلالة الدليل الناسخ أو المنسوخ أو غيرهما عليه، لا بقاؤه في مقام الثبوت و الواقع، إذ لا يخلو الواقع عن حكم من الأحكام.
إذا عرفت ذلك فنقول: إن جماعة ذهبوا إلى بقاء الجواز بالمعنى الأعم- و هو الإذن في الفعل المشترك بين الأحكام الأربعة غير الحرمة- و استدلوا على ذلك: بدلالة الدليل المنسوخ؛ بتقريب: أنه قبل النسخ كان يدل بالمطابقة على الوجوب، و بالتضمن على الجواز؛ لأنه جزء الوجوب المركب من الإذن في الفعل و المنع من تركه، فإذا ارتفعت دلالته المطابقية عن الحجية بواسطة الناسخ؛ تبقى دلالته التضمنية على حالها لعدم تبعية الدلالة التضمنية للدلالة المطابقية في الحجية.
و المصنف لم يرتض هذا المذهب، و لذا قال: «إذا نسخ الوجوب فلا دلالة لدليل الناسخ و لا المنسوخ على بقاء الجواز بالمعنى الأعم». أعني: الإذن في الفعل، «و لا بالمعنى الأخص» أعني: الإباحة الشرعية مقابل الأحكام الأربعة الأخرى، «كما لا دلالة لهما على ثبوت غيره من الأحكام»، فيقع الكلام تارة: في عدم دلالة الدليل الناسخ على بقاء الجواز مطلقا.
و أخرى: في عدم دلالة الدليل المنسوخ عليه كذلك.
و ثالثة: في عدم دلالتهما على ثبوت غير الجواز من الأحكام.
فنقول: إذا أوجب المولى إكرام العلماء بقوله: «أكرم العلماء» ثم نسخ وجوبه بقوله:
«نسخت الوجوب» فلا دلالة للدليل الناسخ، و لا للدليل المنسوخ على بقاء الجواز لا بالمعنى الأعم، و لا بالمعنى الأخص، و لا دلالة لهما أيضا على ثبوت غيره من الأحكام.