نعم؛ (1) لو كان المراد من لفظ الأمر: الأمر ببعض مراتبه، و من الضمير الراجع إليه
و حاصل الدفع: أن جعل الجواز في العنوان بمعنى الإمكان الذاتي «بعيد عن محل الخلاف بين الأعلام»، إذ لا شك في إمكان الأمر ذاتا مع العلم بانتفاء الشرط؛ لبداهة:
أن الأمر بالنظر إلى ذاته ممكن لا مانع منه عقلا. فلا وجه لأن يجعل موردا للخلاف و النزاع، فلا بدّ من أن يكون المراد بالإمكان الإمكان الوقوعي، لا الذاتي، فمعنى العنوان حينئذ هل يمكن وقوع أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه أم لا؟
(1) استدراك على قوله: «لا يجوز أمر الآمر ...» إلخ.
و حاصل الاستدراك: أنه يمكن الالتزام بجواز أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه، فيما إذا أريد من لفظ الأمر بعض مراتبه- و هو الإنشاء- و من ضمير- شرطه- الراجع إليه:
بعض مراتبه الآخر و هي الفعلية.
توضيح ذلك يتوقف على مقدمة و هي: أن للأمر- على مذهب المصنف- مراتب:
الأولى: الاقتضاء يعني: المصالح و المفاسد الواقعية التي تقتضي الأحكام الإلزامية على مذهب الحق و هو مذهب العدلية.
الثانية: مرتبة الإنشاء: و هي إنشاء الحكم على طبق المصالح أو المفاسد.
الثالثة: مرتبة الفعلية: و هي الأحكام بعد بيانها و قبل علم المكلفين بها.
الرابعة: مرتبة التنجّز: و هي بعد بلوغ الأحكام إلى المكلفين و علمهم بها.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم: أن محل النزاع حينئذ هو: أنه هل يجوز للآمر الأمر الإنشائي مع علمه بعدم شرطه فعليته أم لا؟ بأن يكون المراد من لفظ الأمر في عنوان البحث: مرتبة إنشائه، و من الضمير الراجع إليه في لفظ شرطه: مرتبة فعليته على سبيل الاستخدام؛ إذ تحرير محل النزاع على هذا النحو لا بأس به. و الحق حينئذ: جوازه إذ لا محذور في نفس الإنشاء مع عدم شرط فعليته كقوله: «حج إن استطعت»، حيث إنه ليس بداعي البعث الجدّي حتى يقبح ذلك على الحكيم، أو يمتنع للزوم وجود المعلول بدون علته التامة، لأن ذلك إنما يلزم إذا أريد بالأمر البعث الفعلي.
و أما إذا أريد به مجرد الإنشاء، فلا محذور فيه أصلا لكثرة الأغراض الداعية إلى الإنشاء، و عدم انحصار الغرض منه في كونه بداعي الجد و إن كان ذلك هو الغالب في أوامر الموالي، و لذا ينصرف إليه إطلاق الأمر، لكنه أجنبي عن مقام الثبوت المبحوث عنه؛ إذ التمسك بالإطلاق إنما هو في مقام الإثبات.
و كيف كان؛ فالنزاع في جواز إنشاء الأمر مع علم الآمر بعدم بلوغه إلى المرتبة الفعلية، و قد عرفت: أن البعث و التحريك الإنشائي مع العلم بفقد شرط فعليته جائز، إذ لا محذور فيه.