يكون الضد الموجود صالحا لأن يكون مانعا عن الضد المعدوم، فوجود أحد الضدين- و إن كان متوقفا على عدم الآخر- إلّا إن عدم الآخر لا يكون متوقفا على وجوده؛ و ذلك لعدم المقتضي، و التوقف على الوجود مشروط بوجود المقتضي كما عرفت و حينئذ فلا يلزم المحذور و هو: كون شيء واحد متقدما و متأخرا.
و قد أجاب المصنف عن هذا الإيراد بقوله: «مساوق لمنع مانعية الضد».
و حاصل الجواب: أن منع صلاحية كون وجود الضد مانعا عن الضد الآخر موجب لإنكار مانعية الضد أصلا؛ لاستلزامه نفي التوقف حتى من طرف الوجود، و هو خلاف البداهة؛ لأن توقف وجود الضد على عدم الآخر من البديهيات.
5- «إن قلت: التمانع بين الضدين كالنار على المنار» الغرض من هذا الكلام: إثبات مقدمية عدم أحد الضدين للآخر، فيكون عدمه واجبا إذا كان الضد الآخر واجبا، و فعله حراما و منهيا عنه.
ملخص الكلام: لنا مقدمتان واضحتان و هما: التمانع بين الضدين، و كون عدم المانع من مقدمات المأمور به؛ و هاتان المقدمتان تنتجان وجوب ترك ضد المأمور به، فيكون فعله منهيا عنه، و هو المطلوب في المقام.
و قد أجاب المصنف عنه بما حاصله: أن المراد بالتمانع بين الضدين هو: التعاند؛ بحيث يمتنع اجتماعهما في الوجود، و من التمانع بهذا المعنى لا يلزم أن يكون عدم أحدهما مقدمة للآخر، و ليس التمانع بما هو المصطلح عندهم و هو: كون أحدهما مانعا عن الآخر؛ بأن يكون عدمه دخيلا في وجود الآخر و متقدما عليه حتى تكون مقدمة له.
نعم؛ قد يتفق أن يكون عدم أحد الضدين مستندا إلى وجود الآخر، فيكون وجوده مانعا كما إذا كان المقتضي لكل منهما موجودا، و كان المقتضي لأحدهما أقوى من المقتضي في الآخر، فيوجد أحدهما دون الآخر، فلا محالة يكون عدم الآخر مستندا إلى المانع و هو علّة الآخر؛ لا إلى عدم المقتضي لوجوده بالفرض.
6- و قد ظهر مما ذكرناه- من عدم كون ترك أحد الضدين من مقدمات الآخر-:
حال التفصيل بين الضد الموجود- فيكون عدمه مقدمة لوجود الآخر- و بين الضد المعدوم فلا يكون عدمه مقدمة للآخر؛ بدليل: أن عدم الضد صار مقدمة لوجود الآخر؛ من حيث كون عدم المانع من المقدمات، و غير الموجود ليس مانعا، كي يكون عدمه من مقدمات الآخر.