و أما (1) عدم اعتبار ترتب ذي المقدمة عليها في وقوعها على صفة الوجوب: فلأنه لا يكاد يعتبر في الواجب إلّا ما له دخل في غرضه الداعي إلى إيجابه، و الباعث
ثانيا: أنه مستلزم للدور؛ إذ قصد التوصل موقوف على المقدمية، إذ لا معنى للتوصل بما ليس بمقدمة، فلو توقفت المقدمية على قصد التوصل لكان دورا مصرحا فالتالي باطل فالمقدم مثله.
و ثالثا: أنه لو اعتبر قصد التوصل في وجوب المقدمة لما حصل ذات الواجب، و لما سقط الوجوب بدون قصد التوصل، و التالي باطل فالمقدم مثله.
(1) قوله: «و أما عدم اعتبار ترتب ذي المقدمة ...» إلخ إشارة إلى ردّ صاحب الفصول، القائل بأن المقدمة إنما تتصف بالوجوب إذا ترتب عليها المأمور به، و قد ردّه المصنف بوجوه:
الأول: ما أشار إليه بقوله: «فلأنه لا يكاد يعتبر في الواجب ...» إلخ، يعني: إن ترتب المأمور به ليس غرضا للمقدمة و لا دخيلا في غرضها ليعتبر في اتصافها بالوجوب.
أما الأول: فلوضوح أنه بعد تمام المقدمات يمكن أن يختار المكلف إتيان المأمور به، و يمكن أن يختار عدمه.
و أما الثاني: فلأن الغرض من المقدمة حصول التمكن من إيجاد ذيها، و هو يحصل بمجرد وجود المقدمة ترتب عليها المأمور به أم لا، فإن المأمور بشراء اللحم إذا دخل السوق حصل التمكن و سقط عنه وجوب هذه المقدمة و إن لم يشتر اللحم؛ لامتناع تحصيل الحاصل.
و بعبارة أخرى: أن توضيح ذلك- أكثر مما ذكرناه- يتوقف على مقدمة و هي عبارة عن أمور:
الأول: أن الأحكام تابعة للملاكات سعة و ضيقا.
الثاني: أن الملاكات من الأمور الخارجية التي هي غير مجعولة شرعا.
الثالث: أنه إذا كان لشيء مقدمات عديدة، فلا محالة يتوقف وجوده على وجود جميعها، و ينعدم بانعدام واحدة منها، فكل مقدمة تحفظ وجود ذيها من ناحيتها، و تسد بابا من أبواب عدمه، فملاك وجوب المقدمة هو القدرة على إيجاد ذيها.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم: أنه لا فرق في المقدمة الواجبة بين ما يترتب عليه الواجب، و بين ما لا يترتب عليه، إذ الغرض من المقدمة الداعي إلى إيجابها هو الاقتدار على فعل ذي المقدمة، و من المعلوم: حصوله بايجاد المقدمة سواء أتى بذيها أم لا، و قد عرفت تبعية الحكم للملاك سعة و ضيقا.
و كيف كان؛ فقد أشار إلى الأمر الأول بقوله: «إلّا ما له دخل» و إلى الأمر الثالث: