العلم بالحالة السابقة هنا لكي يجري استصحابها، بخلاف الفرض السابق فإنّ أحد المشتبهين كان مسبوقا بالوجود و الآخر بالعدم فتدبّر.
الثالث: أنّ جعل المصنّف هذا المثال مثالا لمجرى الاستصحاب مناف لما قرّره في رسالة أصل البراءة عند دوران الأمر بين المتباينين كالظهر و الجمعة من أنه بعد فعل الظهر أو الجمعة لا يجري استصحاب التكليف لافادة وجوب فعل الآخر، لأنّ حكم العقل بوجوب الاحتياط بعد باق و هو مغن عن الاستصحاب، مضافا إلى أنه من الاصول المثبتة التي لا نقول بها، و هذا الكلام يجري في مثال ما نحن فيه بعينه فإن حكم العقل بوجوب الاحتياط بفعل الوضوء و الغسل كليهما كاف مغن عن إجراء الاستصحاب.
و الجواب: أنّ الغرض من إجراء الاستصحاب فيما نحن فيه ترتيب سائر الآثار المترتبة على موضوع مطلق الحدث و لا دليل على ذلك سوى الاستصحاب، نعم بالنسبة إلى نفس التكليف بأصل الوضوء أو الغسل يكفي أصالة الاشتغال و لا يحتاج إلى الاستصحاب كما في مثال الظهر و الجمعة.
قد يقال: إنه من قبيل مثال ما نحن فيه ما لو تردد بين أن يكون الخارج بولا أو حيضا، و ما لو تردد بين كونه منيا أو دم حيض، فإنه يجب فيهما أيضا الجمع بين الوضوء و الغسل، فإذا فعل أحدهما يشك في ارتفاع كلّي الحدث فيجري استصحاب الكلّي لترتيب الآثار المشتركة بين الحدثين.
و فيه نظر، لأنّ العلم الاجمالي هنا ينحل إلى معلوم و مشكوك بدوي، إذ يعلم بوجوب سبب الوضوء في المثال الأول على كل تقدير، و يشك في وجود موجب الغسل و الأصل عدمه، و في المثال الثاني بالعكس.
فإن قلت: المقصود من استصحاب الكلّي في هذه الأمثلة ترتّب الأثر المشترك كما هو المفروض، و لا مانع من جريانه في هذين المثالين بهذا الاعتبار