و ثانياً: ما ذكره بعد ذلك: من أنّ الحكم الواقعي: إمّا مقيّد بعدم قيام الأمارة على خلافه، أو مطلق، فعلى الأوّل يلزم التصويب، و على الثاني يلزم المنافاة بين الحكم الواقعي و الظاهري.
فيه: أنّا نختار الشِّقّ الأخير، و لا يلزم التنافي بين الحكمين و الإرادتين؛ لما ذكرناه في الجواب عن الإشكال.
ثمّ إنّه أطال الميرزا النائيني (قدس سره) الكلامَ في مقام الجواب عن الإشكال ما حاصله:
أنّ التحقيق في الجواب أن يقال: إنّ الموارد التي تُوهِّم وقوع التضادّ فيها بين الأحكام الواقعيّة و الظاهريّة على أنحاء ثلاثة:
أحدها: موارد قيام الطرق و الأمارات.
و ثانيها: موارد مخالفة الاصول المُحرَزة للواقع.
و ثالثها: موارد تخلُّف الاصول الغير المحرزة عن الواقع.
و التفصّي عن الإشكال يختلف بحسب اختلاف المجعول في هذه الموارد الثلاثة، و يختصّ كلّ منها بجواب يخصّه، فنقول:
أمّا في باب الطرق و الأمارات: فليس المجعول فيها حكماً تكليفيّاً؛ حتّى يتوهّم التضادّ بينه و بين الأحكام الواقعيّة؛ بناءً على ما هو الحقّ عندنا: من أنّ الحجّيّة و الطريقيّة من الأحكام المتأصّلة بالجعل، و ممّا تنالها يد الجعل و الرفع ابتداءً و لو إمضاءً؛ لما تقدّمت الإشارة إليه من أنّه ليس فيما بأيدينا من الطرق و الأمارات ممّا لا يعتمد عليها العقلاء في مُحاوراتهم و إثبات مقاصدهم، بل هي عندهم كالعلم؛ لا يعتنون باحتمال مخالفتها للواقع، و ليس اعتمادهم عليها من باب الاحتياط؛ لأنّه ربّما يكون طرف الاحتمال تلف النفوس و الأموال، فإنّ الاحتياط- حينئذٍ- إنّما هو بعدم الاعتماد عليها.