القضيّة، لكنّها متّفقة في أصل القضيّة، و القدر المسلّم منها أنّه لم يكن للأنصاري شبهة حكميّة أو موضوعيّة يسأل عنها، بل كان يشكو إلى النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) من سَمُرَة في إيذائه و إيقاعه في الحرج و المشقّة، فرجوعه إليه (صلى الله عليه و آله و سلم) إنّما هو ليقضي بينهما بما أنّه سلطان الامّة و وليّ أمرهم، لا بما أنّه نبيّ مبلِّغ لأحكام اللَّه تعالى، و لم يكن ذلك أيضاً قضاءً شرعيّاً على طبق قاعدة القضاء بالبيّنة و الأيمان [1]، فأمر (صلى الله عليه و آله و سلم) بقلع العَذْق، و علّله في موثّقة زرارة: بأنّه
(لا ضرر و لا ضرار)
، فالأمر دائر بين أن يكون ذلك تمسُّكاً بحكمٍ قانونيٍّ شرعيٍّ إلهيٍّ مجعول منه تعالى، و بين أن يكون بياناً لحِكمة الحُكم و علّته، و الأنسب هو الثاني، فإنّه على الأوّل يكون الحكم القانوني الإلهي بالنسبة إلى جميع المكلّفين سواءٌ، حتّى نفس رسول اللَّه الشريفة، فهو (صلى الله عليه و آله و سلم) أيضاً مأمور بإجراء أحكامه تعالى التي منها الحكم بأنّه
(لا ضرر و لا ضرار)
، مع أنّ أمره (صلى الله عليه و آله و سلم) بقلع النخلة إضرار على سمرة، بخلافه على الثاني؛ لأنّه من قضائه (صلى الله عليه و آله و سلم) و حكمه، فلا يشمل نفسه الشريفة؛ لأنّه (صلى الله عليه و آله و سلم) حينئذٍ مركز الحكم لا مورده.
فتلخّص: أنّه نهيٌ لا نفي، فلا تدلّ على أنّه لم يُجعل حكمٌ ضرريٌّ في الشريعة بنحو من أنحاء الدلالة لا حقيقة و لا مجازاً بأنحائه؛ لما عرفت من ورود الإشكالات المتقدّمة عليه، و أنّه نهيٌ مولويّ عن رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله و سلم)، لا نهيٌ إلهي، و بناءً على ذلك لا يصلح هذا الخبر دليلًا على خيار الغَبْن و نحوه من الأحكام الوضعيّة.
[1]- الكافي 7: 414/ 1، وسائل الشيعة 18: 169، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم و أحكام الدعوى، الباب 2، الحديث 1.