فعلى الأوّل فهو أيضاً ممتنع فيما نحن فيه، و لذا ذكر الشيخ (قدس سره): أنّه لا معنى له في المقام؛ لأنّ مفاده حينئذٍ أنّه لو لم يمكن الإتيان بهذا و ذاك وجب الإتيان بهما.
و على الثاني: فهو ممكنٌ- كما هو الحقّ- لأنّ النفي حينئذٍ بقوله:
(لا يترك)
متعلّق بالكلّيّة؛ لأنّ مرجعه حينئذٍ: لا يترك جميعه، بل يترك بعضه؛ أي المتعذّر، و لذا قالوا: إنّ «ليس كلّ» سُورٌ للسالبة الجزئيّة [1]، و هو المتبادر إلى الذهن و الفهم أيضاً.
و أمّا الاحتمال الأخير فهو أيضاً ممكن.
ثمّ إنّ المعروف في قاعدة الميسور اعتبار أن يعدّ المعسور معسوراً لذلك الميسور، و المراد أنّه يعتبر صدق عنوان «الكلّ» على المعسور في وجوب الإتيان به، كالوضوء مع تعذّر المسح على اليسرى- مثلًا- بخلاف ما لو تعذّر ما سوى المسح على اليسرى، فإنّه لا يصدق الوضوء على المسح على اليسرى فقط، و الدليل على ذلك هو ظاهر الروايات الثلاث، فإنّ قولَهُ:
(إذا أمرتكم بشيء)
ظاهرٌ في أنّ المراد: إذا أمرتكم بطبيعةٍ فأتوا منها بمصداق مستطاع منها، فإنّ لها أفراداً عرضيّة، و هي الأفراد الكاملة التامّة الأجزاء و الشرائط، و أفراداً طوليّة، كالكامل و الناقص و الأنقص، فيدلّ على وجوب الإتيان بالفرد الناقص لو تعذّر الكامل، لكن لا بدّ أن يصدق على المأتيّ به عنوان تلك الطبيعة.
لكن تقدّم أن لفظة «ما» مصدريّة زمانيّة بقرينة صدر الرواية، و حينئذٍ فلا تدلّ على ما ذكر.
و أمّا قوله:
(ما لا يُدرك كلّه ...)
إلى آخره، ففيه احتمالان:
أحدهما: أنّ «ما» كناية عن الطبيعة، و المعنى حينئذٍ: ما لا يدرك من الطبائع المأثور بها بكلّيتها فلا تترك بالكلّيّة، و حينئذٍ فتدلّ على المطلوب المذكور؛ لأنّ
[1]- شرح المنظومة (قسم المنطق): 48 سطر 16، الحاشية على تهذيب المنطق، المولى عبد اللَّه: 69 سطر 11.