بلفظ «أنتِ طالق» لو فرض سببيّة شيء آخر لوقوع الطلاق عندهم، فإنّ الطلاق أمرٌ عقلائيّ، و تبعهم الشارع أيضاً فيه، لكن تصرّف في سببه، و قد يتصرّف و يُسقط ما هو سبب عندهم عن السببيّة، و قد يتصرّف في نفس المسبّب، فيُسقط ما هو معتبر عندهم، كبيع المنابذة و نحوه، و قد يَعتبِر ما ليس مُعتَبراً عندهم، كالاعتكاف- مثلًا- فإنّه من مخترعات الشارع لا العقلاء.
و من موارد جعل الشارع سببيّة ما ليس سبباً عند العقلاء هو سببيّة اليد للضمان و إن لم يتلف المال بيده، فإنّ مجرّد الاستيلاء على مال الغير موجب للضمان شرعاً، كما في الأيادي المتعاقبة المتواردة على مال الغير عدواناً، و الظاهر عدم سببيّة مجرّد اليد للضمان عند العقلاء، بل الموضوع له عندهم هو الإتلاف، و حينئذٍ فلا يُغني جعل الشارع للسببيّة عن جعل المسبّب، و لا العكس، بل لا بدّ من جعل السببيّة و المسبّبيّة، بمعنى اعتبار موضوعيّة شيء- كالإيجاب و القبول- لأمرٍ اعتباريّ، كالبيع و للنقل و الانتقال، و الطهارة بالنسبة إلى الغسلات و المسحات فإنّ الغسلات بنفسها تكوينيّة، لكن سببيّتها للطهارة تفتقر إلى الجعل و الاعتبار، كنفس الطهارة على احتمال.
إذا عرفت ذلك نقول: الحقّ عدم جريان البراءة العقليّة و النقليّة في المقام أيضاً:
أمّا الاولى: فلأنّ التكليف متعلّق بالمسبّب كالطهارة و النقل و الانتقال، و هو معلوم لا شكّ فيه، و إنّما الشكّ في السبب لتردّده بين الأقلّ و الأكثر، كما لو شكّ في حصول الطهارة بمجرّد الغسلتين و المسحتين، أو يشترط فيها قصد الوجه- مثلًا- أيضاً، و كما لو شكّ في كفاية مجرّد الإيجاب و القبول في تحقّق النقل و الانتقال، أو يشترط فيه تقديم الإيجاب على القبول أو العربية مثلًا، فإنّه لا يحصل العلم بحصول المسبّب إلّا بإتيان الأكثر، و لا يكفي الأقلّ، و السببيّة في المقام و إن كانت شرعيّة