ارتكاب أحد الأطراف بعينه، و أنّه على فرض كون المكلّف به هو ذلك المضطرّ إليه، لا يصحّ للمولى الاحتجاج به و العقاب عليه، فمرجع الشكّ في المقام إلى الشكّ في وجود حكمٍ فعليٍّ صالحٍ للاحتجاج به على العبد، و لا يكفي مجرّد العلم بفعليّة التكليف ما لم يصلح للاحتجاج به، و لا يعلم فيما نحن فيه بصلاحيّته للاحتجاج به؛ للعلم التفصيلي بعدم صلاحيّته له لو كان متعلّقاً بهذا الطرف المضطرّ إليه، و المفروض احتمال ذلك.
هذا كلّه فيما لو اضطرّ إليه قبل التكليف و العلم به.
و أمّا لو اضطرّ إلى البعض المعيّن بعد تعلُّق التكليف و قبل العلم به، أو اضطرّ إليه مقارناً للعلم بالتكليف، فالحكم فيه كما في الصورة الاولى.
و لو اضطرّ إلى أحد الأطراف بعينه بعد العلم بالتكليف؛ بأن علم بأنّ أحد هذين الإناءين نجس، ثمّ اضطرّ إلى شرب أحدهما المعيّن، فالحقّ فيه وجوب الاحتياط و الاجتناب عن الآخر؛ لأنّ المفروض تنجُّز التكليف عليه: بالعلم به قبل عروض الاضطرار و بعد عروضه يسقط وجوب الموافقة القطعيّة، و أمّا جواز المخالفة القطعيّة فلا وجه له، فلا بدّ من مراعاة التكليف في الطرف الآخر.
و بالجملة: مجرّد الشكّ في أنّ المضطرّ إليه هو المكلّف به أولا، كافٍ في لزوم مراعاة الطرف الآخر و اجتنابه، لا لأجل الاستصحاب، بل لأجل عدم العذر بالنسبة إلى الطرف الآخر لو كان هو المكلّف به واقعاً.
و هذا نظير فقْدِ بعض الأطراف بعد العلم بالتكليف، فإنّه لا إشكال في وجوب الاجتناب عن الباقي و أمّا لو اضطُرّ إلى ارتكاب أحد الأطراف لا بعينه؛ بأن اضطُرّ إلى شرب أحد الإناءين اللَّذينِ عُلم بنجاسة أحدهما، فالحقّ فيه وجوب الاجتناب عن باقي الأطراف مطلقاً- سواء كان الاضطرار بعد العلم بالتكليف، أم قبله- عقلًا و شرعاً؛ و ذلك لأنّ المجوِّز لارتكاب باقي الأطراف أحد امور ثلاثة: