غير مبيَّن، فهذه القضيّة- أيضاً- صادقة، فهذه الكبرى الكلّيّة إنّما تُنتج لو انضمّ إليها صُغرى ثابتة إمّا بالوجدان أو بالبرهان، كشرب التتن، فيقال: شربُ التتن ممّا لم يرد فيه البيان، و كلّ ما هو كذلك يقبح العقاب عليه، ينتج: أنّ شرب التتن يقبح العقاب عليه، و الفرض أنّ هذه الصغرى ثابتة بالوجدان، و أنّ المكلّف استفرغ وسعه و تفحّص و اجتهد في الطلب عن وجود البيان فيه، فلم يجده، فيضمّ إليها الكبرى المذكورة، ينتج ما ذكر.
و أمّا قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل فهي- أيضاً- كُبرى كلّيّة موضوعها أمر كلّيّ غير قابل للرفع، و هي- أيضاً- في قوّة قضيّة شرطيّة، لكنّها إنّما تُنتج إذا انضمّت إليها صغرى ثابتة بالوجدان أو بالبرهان، و هي في مثل شرب التتن فيما نحن فيه، و إن كانت ثابتة قبل الفحص و اليأس عن الدليل لاحتمال الضرر و العقوبة فيه، و لكنّها غير ثابتة بعد الفحص التامّ و اليأس عن الدليل على الحرمة- كما هو المفروض في المقام- إذ لا يحتمل العقاب و الضرر فيه، فإنّه بعد ثبوت عدم ورود البيان و الحجّة وجداناً يحكم العقل بقبح العقاب عليه، فلا يتحقّق فيه صُغرى قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل حتّى يُنتج نتيجة تُضادّ نتيجة القاعدة الاولى.
فظهر ممّا ذكرنا: أنّ ما نحن فيه ليس مورد الحكومة و لا الورود، لواحدة من القاعدتين على الاخرى [1].
[1]- و لا يخفى أنّه لا يُعنى بالحكومة إلّا ذلك، و إلّا لا حكومة و لا ورود في شيء من الموارد.
أ لا ترى أنّ قوله:
(لا شكّ لكثير الشكّ)
(هذه قاعدة متصيدة من الأحاديث، راجع وسائل الشيعة 5: 329، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 16)، كبرى كلّيّة يحتاج في إنتاجها إلى ضمّ صغرى ثابتة، و هكذا مثل:
(إذا شككت بين الثلاث و الأربع فابنِ على الأربع)
(انظر وسائل الشيعة 5: 320، باب 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، فقد ورد هذا المضمون في هذا الباب)، فإنّه- أيضاً- كبرى كلّيّة يحتاج في إنتاجها إلى صُغرى ثابتة، فمع ثبوت صُغرى الاولى- أي كثرة الشكّ- في مورد يحكم بعدم الشكّ له، فلا مورد للكبرى الثابتة فيه بعد الحكم بنفي الشكّ أو عدمه.
و بالجملة: ليس معنى الحكومة و الورود إلّا ما ذكره- دام ظلّه العالي- و إلّا يلزم عدم تحقّق حكومة و لا ورود في أدلّة الأحكام أصلًا. المقرّر دامت بركاته.