و لا ريب في أنّ التجرّي يمتاز عن المعصية في الأمر الأوّل و الثاني و الرابع، فليس فيه قبح الفعل الخارجي، و لا مخالفة المولى، و لا تفويت غرضه، و إنّما يشترك معه في الأمر الثالث، و لا ريب في أنّ العقوبة في صورة العصيان الحقيقي ليست مترتّبة على الجرأة على المولى، بل إمّا على مخالفته أو تفويت غرضه، و الحقّ هو الأوّل، و حينئذٍ فليس في صورة التجرّي ما يترتّب عليه العقاب؛ لعدم تحقّق المخالفة فيه و لا تفويت الغرض و ليس فيه إلّا الجرأة على المولى، و هي لا تستتبع العقوبة. نعم توجب إيجاد ظلمة و كدورة معنوية في النفس، و تزيد تلك الظلمة و الكدورة تدريجاً بصدور التجرّي منه متكرّراً، حتّى أنّها ربّما توجب عدم قابليته للشفاعة، و تمنع عن نيلها؛ بناءً على تجسُّم الأعمال و ظهور الملكات بصورة الحيوانات، إلّا أن يصفو بالشدائد التي تصيبه في عالم البرزخ أو القيامة.
و أمّا ما ذكر المحقِّق العراقي من أنّ العقوبة مترتّبة على ما هو الجامع بين صورتي التجرّي و العصيان الحقيقي، و هو الجرأة على المولى، ففي صورة العصيان الحقيقي- أيضاً- إنّما تترتّب العقوبة على الجرأة على المولى؛ لوجودها فيه- أيضاً- إلّا أنّ الجرأة فيها أطول و أدوم من الجرأة عليه في صورة التجرّي [1]، فهو للفرار عن إشكال يرد على ما اختاره من ترتُّب العقوبة على الجرأة على المولى، و هو أنّه يلزمه استحقاق عقوبتين في صورة العصيان؛ لوجود التجرّي فيها- أيضاً- مضافاً إلى مخالفة المولى، و هو خلاف الضرورة، فما ذكره إنّما هو لدفع هذا الإشكال.
كما أنّ ما ذكره صاحب الفصول (قدس سره) من تداخل العقوبتين في صورة العصيان