و فيه أوّلًا: أنّ قاعدة الملازمة بين حكم العقل و الشرع- على فرض تسليمها- إنّما هي في سلسلة العلل و المعلولات و مقام المصالح و المفاسد، فإنّها في مثل قبح الظلم عقلًا صحيحة، و أنّه يستلزم حرمته شرعاً، و أمّا في مثل وجوب الصلاة و حرمة الخمر فلا:
فلأنّه يستلزم التسلسل و استحقاق العاصي بارتكاب محرّم واحد عقوبات غير متناهية؛ حيث إنّه لو خالف المكلّف حكماً وجوبيّاً- كترك جواب السلام- فالعقل يحكم بقبح ذلك؛ لأنّه مخالفة لحكم المولى، و هي قبيحة عقلًا، و هو يستتبع حكماً شرعيّاً بحرمته لقاعدة الملازمة، و هذا الحكم الشرعي الثابت بقاعدة الملازمة يقبح مخالفته عقلًا، فيستتبع حرمته شرعاً ... و هكذا إلى غير النهاية، فيلزم استحقاقه لعقوبات غير متناهية و عصيانات كذلك بارتكاب ذنبٍ واحد، و هو محال.
و ثانياً: لو أغمضنا عن ذلك كلّه، لكن المسألة الاصوليّة: إنّما هي ما تقع نتيجتها كبرى في الاستنباط، كالبحث عن حجّيّة خبر الواحد، أو البحث عن الملازمة بين وجوب المقدّمة و وجوب ذيها، و أمّا ما ليس كذلك- بل تقع نتيجته صُغرى القياس للاستنباط- فلا، و ما نحن فيه من هذا القبيل، فإنّ البحثَ في قبح التجرّي و عدمه- حينئذٍ- بحثٌ عن الملزوم للحكم الشرعي، نظير البحث في أنّ هذا مقدّمة للواجب أولا، فإنّه من المبادئ التصديقيّة للُاصول.
نعم البحث في نفس الملازمة بين قبح شيءٍ عقلًا و حرمته شرعاً كذلك مسألة اصولية، لكن مسألة التجري ليست كذلك. و أسوأ حالًا من هذا الوجه و التقرير ما قيل في وجه أنّها من المسائل الاصوليّة: إنّ البحث في مسألة التجرّي إنّما هو في أنّه هل لأدلّة الأحكام- مثل: «حُرّم عليكم الخمر»- إطلاق يشمل ما لو عُلم بأنّ مائعاً خمر مع عدم كونه خمراً في الواقع؟ فحينئذٍ فهو من المسائل الاصوليّة؛ لأنّ