مثل رواية زرارة من الفقهاء بلا واسطة، و لا تدلّ على اعتبار خبر مطلق الثقة و لو لم يكن فقيهاً، أو مع الوسائط الكثيرة، و لا يدلّ على حجّيّة مطلق خبر الثقة.
و هذا بخلاف ما إذا أخذنا بالقدر المتيقّن من بناء العقلاء، فإنّه لا ريب في أنّ القدر المتيقّن هو بناؤهم على العمل بما تقدّم من الرواية، و هي موجودة بين الأخبار، دالّة على حجّيّة خبر مطلق الثقة.
ثمّ إنّ المراد من بناء العقلاء: هو بناؤهم على العمل بخبر الواحد في مقام الاحتجاج و المخاصمة بين الموالي و العبيد، فإنّه لا شبهة في احتجاج المولى على العبد و بالعكس بخبر الواحد، و لا يسمع الاعتذار بعدم حصول الظنّ له منه أو وجود الظنّ بالخلاف.
فلا يرد في المقام: أنّا لا نُسلّم بناء العقلاء على العمل بخبر الواحد مطلقاً، و أنّ عملهم على العمل بخبر الثقة إنّما هو في موارد شخصيّة و امور جزئيّة خاصّة بهم، لا في مقام الاحتجاج.
فإنّك عرفت أنّه لا ريب في احتجاجهم به و استنادهم إليه في مقام الاحتجاج أيضاً.
فلا بدّ من صرف عنان الكلام في أنّه هل يوجد من الآيات و الروايات ما يصلح للرادعيّة عن هذا البناء العقلائي أو لا؟ فنقول:
إنّ ما يمكن أن يقال: إنّه صالح لذلك، هي الآيات الناهية عن العمل بالظنّ [1] و بما وراء العلم [2].
[1]- النجم (53): 28، و هي قوله تعالى «وَ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَ إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً».
[2]- الإسراء (17): 36، و هي قوله تعالى «وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ».