القسم حكم من الأحكام الواقعيّة، بخلاف القسم الثالث، فإنّ المستكشَف فيه من الإجماع هو دليل الحكم الواقعي، لا نفس الحكم الواقعي.
و أيضاً يمكن أن يورد على القسم الثالث: بأنّه على فرض كشفه عن دليل معتبر عندهم؛ لأجل عدم احتمال إفتاء الشيخ (قدس سره) و أمثاله بدون دليل و مدرك، لكن لا يُستكشف بذلك تماميّة دلالته عندنا؛ لاحتمال اجتهادهم ذلك من رواية لو وصلت إلى المتأخّرين لم يتمّ دلالتها عندهم، و أدّى نظرهم إلى خلاف نظرهم، كما وقع ذلك في كثير من الاستنباطات، مثل: انفعال ماء البئر بمجرّد ملاقاة النجس عند القدماء [1]؛ للروايات [2] الواردة في ذلك، و لكنْ المتأخّرون [3] فهموا منها خلاف ذلك.
و بالجملة: المستكشف بالإجماع على هذا الوجه هو وجود الدليل المعتبر، لا تماميّة دلالته؛ لعدم حجّيّة اجتهادهم لنا، اللّهم إلّا أن يُضمّ إلى ذلك التقييدُ: بأنّه لو وصل إلينا لفهمنا منه ما فهموه منه، لكن لا دليل عليه، فإنّ الثابت به أصل وجود الدليل، لا دلالته.
و أمّا ما ذكره في أوّل المبسوط: من أنّ المضبوط في كتب الفقهاء هو متون الأخبار و صريح ألفاظها حتى أنّه لو غيّر لفظ مسألة، عبّر عن معناها بغير اللفظ المعتاد لهم لعجبوا منه، و لم يعتمدوا عليها، و أنّها لم تكن مبوّبة مرتّبة، حتى أنّ مخالفينا كانوا يستحقرون فقه أصحابنا الإماميّة و لقلّة الفروع و المسائل، و يقولون:
إنّهم أهل حشوٍ و نقص، و أنّ من لا يعمل بالقياس و الاجتهاد لا طريق له إلى التفريعات و كثرة الفروع، و هذا جهل منهم بمذهبنا و لو لاحظوا أخبارنا و فقهنا لعلموا أنّ جُلّ ما ذكروه من المسائل موجود فيها، و كنت على قديم الوقت و حديثه متشوّق