و صيغة هذه العناية بشكل مجمل هي أنّه لا بدّ من استكشاف إمضاء الشارع من اتّخاذه موقفاً ملائماً معها يكشف عن إمضائه لمضمونها، و لا أقلّ من سكوته تقريراً لها، فتكون الحجّة بحسب الحقيقة هي الإمضاء و التقرير الصادر من المعصوم لا نفس السيرة.
و من الواضح: أنّ هذه العناية بحاجة إلى أن تكون السيرة معاصرة للمعصوم (عليه السّلام)، إذن، فلا تنطبق على السير المستجدّة فيما بعد زمانه.
و الخلاصة: أنّ هناك ركنين لا بدّ من توفّرهما لتتمّ دليليّة هذه السيرة، و هما: إثبات معاصرتها للمعصوم أوّلًا، و ثانيهما: الموقف الملائم من المعصوم، و الذي أقلّه السكوت.
و بما ذكرنا يتّضح الجواب على ما قد يُقال: من أنّه لما ذا يحرص الفقهاء في الاستدلال بمثل هذه الأدلّة اللّبّيّة على التمسّك بالسيرة العقلائيّة القديمة دون السيرة العقلائيّة المستجدّة، رغم كون عقلاء بعد عصر المعصوم في تقدّم و نضج فكريّ، و تزايد في خبراتهم الفكريّة و الاجتماعيّة و القانونيّة، بحيث إنّ سيرتهم قامت على إثبات كثير من الحقوق، كحقّ التأليف و النشر و غيره، كما قامت سيرة عقلاء عصر المعصوم على حقّ الخيار و الحيازة و غيرها؟
فإنّ هذا الكلام إنّما يصحّ لو كان الاستدلال بالسيرة العقلائيّة بما هي سيرة للعقلاء، لا بما هي كاشفة عن موقف الشارع، و قد عرفت أنّ السيرة التي تفيد في مجال استنباط الحكم الشرعيّ إنّما هي السيرة المعاصرة للمعصوم نفياً و إثباتاً.
و قد يُقال: إنّ الشارع قد أمضى السيرة العقلائيّة المعاصرة للمعصوم لا بوصفها الشخصيّ، بل بوصفها النوعيّ العقلائيّ، بمعنى: أنّه يُفهم من عدم تصدّي الشارع لبيان أحكام و تأسيس في أبواب متعدّدة من الحياة ممّا للعقلاء شأن فيه، أنّه قد تركها إليهم و إلى