بل نريد أن نجعل ذلك وسيلةً لإثبات حكم الله تعالى و رضاه، فإنّ القدماء إذا انعقدت سيرتهم على شيء، و كانوا على مرأى و مسمع من المعصوم (عليه السّلام)، حينئذٍ: غالباً تكون مواقفهم ممضيّة من قبل المعصوم (عليه السّلام) أو غير ممضيّة، فإذا ثبت لنا إمضاء المعصوم لها، فإنّه يثبت بذلك حكم الله تعالى، و إن كان المتأخّرون قد يكون لهم من المواقف السديدة ما يفوق تلك المواقف، لكن من يُثبت لنا إمضاء المعصوم (عليه السّلام) لها، و من هنا، كان لا يُعتمد على السيرة العقلائيّة المتأخّرة.
و قد يُقال: إنّ الشارع الذي أمضى السيرة العقلائيّة المعاصرة له، لم يمضها بوصفها الشخصيّ، بل أمضاها بوصفها النوعيّ، بمعنى: أنّنا نفهم من عدم تصدّي الشارع لبيان أحكام و تأسيس تشريعات في أبواب متعدّدة، نفهم من ذلك أنّه ترك هذه الأمور للعقلاء، و إن تدخّل تدخّلًا جزئيّاً في باب المعاملات، لكن لم يتدخّل تدخّلًا تفصيليّاً كما تدخّل في باب النكاح و العبادات و الطهارة و الطلاق و غيره، فنستكشف من سكوت الشارع و عدم التصدّي لبيان تلك الأحكام، أنّه عوّل على ما عليه السيرة العقلائيّة بطبعها و نوعها و بمختلف أشكال تغيّرها و تبدّلها، و هذا إمضاء إجماليّ لما تستقرّ عليه السيرة في مختلف الأزمنة.
و هذا الكلام غير صحيح لأمرين:
الأمر الأوّل: هو أنّه لم يثبت سكوت الشارع عن حكم شرعيّ في سائر المجالات المذكورة ليتركها للسيرة العقلائيّة، بل المجالات المتوهّم تركها للسيرة قد بُيّنت أحكامها، و ورد ما يُحتمل صدوره من الشارع في مقام بيان أحكامها، و لو بنحو العموم، بل يبعد أن يوجد أمر يحتاج إلى إثباته إلى السيرة إلّا و فيه خبر من قبل المعصوم- بقطع