فيعطل الأول بالثاني، إذن، فما لا يستطيع التحكّم به هو قضاء، و ما يستطيع التحكم به هو قضاء أيضا.
[تصور آخر في بيان وجه آخر من البداء يوضح المعجزة و الدعاء]
و حينئذ، تارة نتصوّر أنّ اللّه تعالى ضمّن قانون السببية لنظم هذا الكون، لكن على نحو لا يمكن له أن يعمل السلطنة في إيقاف النتائج كفاعل مختار.
و هناك تصوّر آخر و هو، انّ هذه الطبائع التي أودعها اللّه تعالى في الكون تفقد سيطرتها و خاصيتها عند اتّخاذ أيّ قرار آخر من اللّه تعالى، إذن، فالقضية هنا ليست قضية تنجيزيّة أو شرطيّة، بل قراران أحدهما ضعيف و الآخر قوي، و اللّه سبحانه يعطّل الاقتضاء الضعيف بالقوي، و هذا وجه من وجوه البداء، لأنّ فيه تغيير، و لكن بناء على ما تقدّم، يكون معنى التغيير في القرار و القضاء، تجميد القرار الآخر المتمثل فيما أودعه اللّه تعالى في طبائع الكون من فاعلية ضمن صيغ قانونية حيث يجمد قرارها بقرار أكبر، و هذا الذي يسمّى بالمعجزة في الشرع، حيث يكون ذلك لكرامة أو تصديق نبي و الانتصار له و نحو ذلك.
و هذا مطلب معقول في نفسه، و لأجل ذلك فهو يستحق هذه الأوصاف و المدائح المذكورة في روايات الباب، باعتبار أنّه يشعر الإنسان بأنّ الأمر لا يزال بيد اللّه تعالى و أنّه على كلّ شيء قدير، و أنّه يمكنه تعطيل الأسباب ساعة يشاء و هذا ممّا يحثّه على عبادته و تقديره.
و هذا المعنى من البداء، تنطبق عليه الخصائص المذكورة في بابه.
و من مجموع هاتين الفكرتين يكون معنى الدعاء واضحا.
و بناء على الفكرة الأولى تكون مسألة البداء علاجا لقضية الجبر الإنساني، لأنّ أفعاله نتائج للسلطنة [1] التي تكون فيها نسبة الفعل الصادر من الإنسان إليه نسبة بالإمكان لا بالوجوب، بمعنى أنّ أفعال الإنسان لا تقع في
[1] الأسفار الأربعة- صدر المتألهين الشيرازي- ج 6- ص 270.