ظهورين لفظيين، و إنّما المهم أن نرى بحسب المرتكز العقلائي أنّ أيّهما يناسب أن يكون قرينة على الآخر، و هنا، كما يمكن للمولى الاعتماد على الظهورات اللفظية الأولية، كذلك يمكنه الاعتماد على الظهورات اللفظية الثانوية.
و أمّا قياس ما نحن فيه بالمخصّصات المتصلة، فهو قياس مع الفارق، لأنّه في موارد المخصص المتصل لا ينعقد ظهور تصديقي في العموم أصلا و معه لم يستقر ظهوران لتقع المعارضة بين ظهور العام و ظهور الخاص في عدم النسخ و غيره.
هذا حاصل الكلام في الجواب الثالث، و به تمّت الأجوبة الثلاثة، و قد عرفت عدم تماميّة أيّ واحد منها بنحو مطلق، بل بعضها غير تام أصلا، و بعضها تام في بعض الموارد فقط.
ثم إنّه قد يشكل على هذا الكلام بما حاصله تعيّن التخصيص و تقديمه على النسخ حيث يقال: إنّ اصالة عدم التخصيص و اصالة عدم النسخ تسقطان بالتعارض، و حينئذ، يرجع إلى دليل عام آخر، و هو قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلم):
«حلال محمّد (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) حلال إلى يوم القيامة، و حرامه، حرام إلى يوم القيامة» فإنّ هذا الخبر بإطلاقه يقول: إنّ العام مخصّص، و انّ الخاص غير منسوخ، إذن، فهنا ينفى النسخ، و حينئذ، يتعيّن التخصيص، للعلم الإجمالي بثبوت أحدهما.
و يشكل على هذا المدّعى، بأنّ مقتضى إطلاق دليل العام الوارد بعد الخاص هو، انّ الخاص منسوخ بالعام، و مقتضى هذا العام الآخر- و هو قوله (صلّى اللّه عليه و آله و سلم)- حلال محمّد (صلّى اللّه عليه و آله و سلم)- الخ- هو انّ ذلك العام ليس ناسخا للخاص، و حينئذ، يقع التعارض بين هذين العامين.
و قد يجاب عليه: بأنّ عموم هذا اللسان- «حلال محمّد (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) .. الخ-» حاكم بالنظر العقلائي على ذلك العام، لأنّه ناظر إليه و إلى عموم الأحكام الواردة في الشريعة، و أنّها ثابتة لا تنسخ، و لذلك يقدم عموم هذا اللسان على ذلك العام بالحكومة.