و بهذا يتضح، انّه لا التخصيص يشترط في إمكانه وروده قبل حضور وقت العمل بالعام، و لا النسخ يشترط في إمكانه وروده بعد حضور وقت العمل.
[صور دوران الأمر بين النسخ و التخصيص]
و قد قلنا في أول الكلام، إنّ مسألة دوران الأمر بين النسخ و التخصيص تحتاج إلى مقدمة تبحث في انّه متى يمكن النسخ و متى يمكن التخصيص و بعدها نعرف انّه إذا دار الأمر بينهما أيّهما الذي ينبغي أن يقدم.
و إلى هنا كان الكلام في المقدمة، و على ضوئها نعالج مسألة دوران الأمر بين التخصيص و النسخ فنقول: إنّ دوران الأمر بين التخصيص و النسخ له صورتان.
الصورة الأولى: هي أن يتأخر العام عن الخاص، و حينئذ يدور الأمر بين كون العام ناسخا للخاص، و بين كون الخاص مخصصا للعام.
الصورة الثانية: هي أن يتأخر الخاص عن العام، و حينئذ، يدور أمر الخاص بين كونه مخصصا و كاشفا عن عدم شمول حكم العام لمورده و موجبا لخروج موضوعه عن حكم العام من أول الأمر، و بين أن يكون ناسخا، فينفي ثبوت حكم العام في مورده في الزمان اللاحق، أي من حين صدور الخاص فما بعد، بمعنى انّ الخاص من أول الأمر و ابتداء يكون حكمه هو الحكم الواقعي.
أمّا الصورة الأولى: و هي ما لو فرض كون الأمر دائرا بين مخصصيّة المتقدم للمتأخر أو ناسخيّة المتأخر للمتقدم، فإنّ المعروف فيها بين الفقهاء عملا و الأصوليين نظرا و اختيارا، تقديم التخصيص.
و قد يستشكل في توجيه ذلك حيث قيل: بأنّه ما هي النكتة في تقديم التخصيص على النسخ، أو اصالة عدم النسخ على اصالة عدم التخصيص؟
و هذا الاستشكال تختلف صياغته الفنية بحسب المسالك في معنى اصالة عدم النسخ و في حقيقة النسخ، و حينئذ سوف نذكر ثلاث مسالك في