3- المحاولة الثالثة: في الجواب، عن تخريج حجيّة العام في الباقي، هي المحاولة المنسوبة إلى الشيخ الأنصاري [1](قده)
و حاصلها: هو أن نطبّق نفس التبعيض الذي صنعه الجواب السابق، حينما بعّض في الحجيّة.
لكن السابق أعمل التبعيض في الحجيّة في الظهور الثاني، و هو الظهور الجدّي، بينما هنا، يعمل التبعيض في مرحلة الظهور في المراد الاستعمالي.
و حاصل تقريبه هو، أن يقال: إن خطاب «أكرم كل عالم»، يدل على دخول، «زيد، و بكر، و خالد»، في المراد الاستعمالي و هكذا بقيّة أفراد العلماء، و هذه دلالات متعددة في مرحلة تشخيص المراد الاستعمالي بعدد أفراد العام، و قد يعبّر عن هذه الدلالات، بالدلالات التضمنيّة، و حينئذ، فإنّ مقتضى القاعدة هنا هو، حجيّة كل هذه الدلالات، لأنّ كل واحدة منها ظهور، فيكون حجة، و لكن عند ما ورد المخصص، علم بأنّ «زيدا» الذي ورد عليه المخصص، ليس مرادا استعماليا للعام، و لهذا تسقط دلالة العام على كون «زيد» داخلا في المراد الاستعمالي، و لكن هذا لا يوجب سقوط بقيّة الدلالات الأخرى بالنسبة لبقيّة الأفراد، فتبقى تلك الدلالات على الحجية، و بذلك يكون العام حجة في الباقي، و هذا الجواب، يفترض ان المخصص يزاحم العام في مرحلة المراد الاستعمالي، و بهذا يختلف عن الجواب السابق، لأنه في الجواب السابق. كان المخصص يزاحم العام في مرحلة المراد الجدي لا الاستعمالي كما تقدم.
و لذا، فإنه لو تمّ هذا الجواب الثالث هنا و لم يرد عليه شيء فسوف يكون بمقدوره أن يقدم لنا تفسيرا واضحا للنقض الذي وجهناه إلى المحاولة السابقة و الذي تمحلنا تمحلات كثيرة للدفاع عنه، حيث كنّا نتساءل هناك عن انّه ما الذي فرّق بين دليل العام في «أكرم الأربعة» و عدم حجيته في الباقي إذا علم بخروج واحد منه، و بين دليل العام في «أكرم كل عالم» و حجيّته في الباقي حتى لو خرج واحد منه بالتخصيص.
[1] مطارح الأنظار- أبو القاسم النوري الرازي- تقريرات الشيخ الأعظم- ص 193- 194- 195.