الذي تصوره بعض الفلاسفة، يشكّل دورا واضحا، و نشير هنا بشكل مجمل إلى هذا: فمثلا قد يقال، بأن هذه القاعدة، يمكن إثباتها بالبرهان، و ذلك لأن الحادثة، لو وجدت من دون علة، و من دون وجوب، مع إمكان الوجود و العدم، للزم ترجيح أحد المتساويين بلا مرجح، و ترجيح أحد المتساويين على الآخر، بلا مرجح. محال، إذن فلا يعقل أن توجد الحادثة، إلّا إذا تبدل إمكانها بالوجوب بالغير.
و هذا برهان، لإثبات قاعدة، أن الشيء «ما لم يجب لا يوجد»، و هو غير صحيح في المقام، و ذلك.
لأن نفس استحالة الترجيح بلا مرجح، عبارة أخرى عن قانون العليّة، لأن الترجيح بلا مرجح، معناه، أنه يوجد رجحان بلا سبب اقتضاه، و هذا عبارة أخرى، عن أن المعلول، يوجد بلا علة [1]، فكأنه برهن على قانون العليّة بقانون العليّة، لأنك حينما تبرهن، على أن الحادثة، لا يمكن أن توجد، إلّا إذا تبدّل إمكانها بالوجوب بالغير، و وجدت العلة الموجبة، فأنت بما ذا تبرهن على ذلك؟. أ لا ترى أنه إذا وجدت الحادثة، مع أنها ممكنة، لزم ترجيح أحد المتساويين على الآخر بلا مرجح، و هذا عبارة، عن لزوم وجود المعلول بلا علة، فكأنك استدللت على مبدأ العلّية، بأنه لولاه، للزم وجود المعلول بلا علة، و هذا مصادرة على المطلوب.
فقانون العلّية، ليس قانونا مبرهنا عليه بهذا العنوان، و إنما هو قانون، يتقبله العقل السليم و الفطرة السليمة، كقضية بديهية، لا يبرهن عليها، و من هنا، لا بدّ من الرجوع إلى الفطرة السليمة، التي أدركت هذا القانون، لتقول كلمتها في المقام.