ثمّ إنّ بعض أفاضل المتأخرين [1] خبط خبطا عظيما، و تبعه بعض أفاضل من تأخّر عنه [2]، و هو أنّه منع عن لزوم تحصيل القطع و الظنّ كليهما في طلب المعارض في جميع الأدلّة سواء كان العامّ أو غيره، و استدلّ على ذلك بوجوه:
الأوّل: انّ أحدا من المنازعين و المباحثين في المسائل
من أصحاب الأئمة و التابعين لم يطلب في المسألة التوقّف من صاحبه حتى يبحث و ينقّب عن المعارض و المخصّص، بل سكت أو تلقّى بالقبول، و إلّا لنقل إلينا فصار إجماعا على عدم البحث عن المخصّص و المعارض.
و زاد بعضهم [3] على ذلك أيضا و قال: و أيضا الأصول الأربع مائة لم تكن موجودة عند أكثر أصحاب الأئمة (عليهم السلام)، بل كان عند بعضهم واحد و عند الآخر اثنان أو الثلاثة و هكذا، و الأئمّة (عليهم السلام) كانوا يعلمون بأنّ كلّا منهم يعمل في الأغلب بما عنده و لا يتمّ البحث عن المخصّص إلّا بتحصيل جميعها، فلو كان واجبا لأمرهم الأئمة (عليهم السلام) بتحصيل الكلّ، و نهوهم عن العمل ببعضها.
و الجواب عن الأوّل: بعد تسليم هذه الدّعوى يظهر ممّا مرّ، من التفاوت الظّاهر بين زماننا و زمان الأئمة (عليهم السلام). و هذا الكلام يجري في خطاب الأئمة (عليهم السلام) مع أصحابهم أيضا، حيث لم يسأل الأصحاب عنهم (عليهم السلام) عن المخصّص، و قرّروهم على معتقدهم من العموم.