للتكليف بالمحال و صيّر المقدور ممتنعا باختياره، و لا يستحيل العقل مثل ذلك.
و لا يذهب عليك أنّ هذا الجواب يوهم أنّا نقول بجواز تصريح الآمر بجواز ترك المقدّمة، فحينئذ يستظهر القائل بالوجوب، و يقول: إنّ ذلك قبيح عن الحكيم فكيف يجوز تجويز الترك منه؟ و ما لا يجوز تجويز تركه يكون واجبا.
و لكنّا إنّما قرّرنا هذا الدّليل، و الجواب على مذاق القوم.
و أمّا على ما اخترناه و حقّقناه فلا يرد ما ذكر، لأنّا لا نقول بجواز تجويز ترك المقدّمة، و إن قلنا بجواز التصريح بعدم العقاب على ترك المقدّمة، و إنّ العقاب إنّما هو على ترك ذي المقدّمة، و لا يستلزم ذلك عدم الوجوب التبعي أيضا.
و أمّا على مذاق القوم، فقد يجاب عن هذا الإشكال [1]: بأنّ هذا التجويز إنّما هو بحكم العقل لا الشرع حتّى يكون سفها و عبثا، و إنّا و إن استقصينا التأمّل في جواز انفكاك حكم العقل هاهنا من الشّرع، فلم نقف على وجه يعتمد عليه [2].
و قد يوجّه ذلك [3]؛ بأنّ أصالة البراءة التي هي حكم العقل تقتضي جواز الترك فيما لا نصّ فيه، و هو بمعزل عن التحقيق، إذ المراد من حكم العقل هنا، إن كان مع قطع النظر عن ورود الأمر من الشّرع بوجوب ذي المقدّمة، فلا اختصاص له بالعقل، و أمّا معه، فلا يمكن الحكم للعقل أيضا، إذ هو من أدلّة الشرع، مع أنّه لا يجري فيما يستقلّ بوجوبه العقل كمعرفة اللّه، و لا قائل بالفرق.
[2] هذا تعريض على قول صاحب «المعالم» حيث قال: بجواز الحكم العقلي دون الشرعي. هنا يظهر بالتأمل وجه عدم جواز الانفكاك، و انّ العقل أيضا من أدلّة الشرع، فكما لا يجوز تصريح الشارع بجواز الترك، لا يجوز تجويز العقل أيضا.
[3] و هذا اشارة الى ما ذكره المدقق الشيرواني في حاشيته على «المعالم».