يقصده المتكلّم أيضا بذلك الخطاب، بل و لم يستشعر به [1] أيضا، كوجوب المقدّمة على ما سنحقّقه، و دلالة الآيتين على أقلّ الحمل [2] و نحو ذلك. فهذا الحكم و إن كان، إنّما حصل من العقل لكن حصل بواسطة خطاب الشّرع، و يقال لذلك إنّه خطاب حصل بتبعيّة الخطاب الشّرعي، و إن كان الحاكم باللّزوم هو العقل.
و لا يخفى أنّ هذه الدلالة معتبرة أيضا محكمة في المسائل، سواء كان من أحكام الوضع، كأقلّ الحمل المستفاد من الآيتين، أو من أحكام الطلب.
و أمّا الوجوب المذكور- أي وجوب المقدّمة- فلمّا كان هو أيضا تبعيّا كأصل الخطاب به، بمعنى أنّه لازم لأجل التوصّل الى ذي المقدّمة، و حكمه حكم الخطابات الأصليّة التوصّلية كإنقاذ الغريق و إطفاء الحريق و غسل الثوب النّجس للصلاة، فلم يحكم بكونه واجبا أصليّا و لم يثبت له أحكام الواجب الأصلي الذّاتي، فلا عقاب عليه لعدم ثبوت العقاب على الخطاب التبعي، كما سنشير إليه.
و يجتمع مع الحرام لأجل كونه توصّليا، نظير الإنقاذ و الغسل الواجبين لاستخلاص النفس المحترمة، و الصلاة في الثّوب الطاهر، و لذلك يحصل المطلوب بالحرام أيضا، بل بفعل الغير أيضا، فيرجع هذه الدلالة أيضا الى البيّن بالمعنى الأعمّ، لكن بالنسبة الى المأمور به لا الأمر، نظير توابع الماهيّة في الوجود و غاياتها.
و أمّا القائل بوجوب المقدّمة، فلا بدّ أن يقول بوجوب آخر غير الوجوب التوصّلي، و يقول بكونه مستفادا من الخطاب الأصلي، و إلّا فلا معنى للثمرات التي
[1] المتكلّم بالكلام من حيث إنّه متكلّم، و هناك من صرّح بأنّ مقصوده ليس هو خطاب الشارع، إذ لا يجوز نسبة عدم الشعور إليه.
[2] من قوله تعالى: وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ. و قوله تعالى:
وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً و أنّ أقلّ الحمل ستة أشهر.