أخذوها لمحلّ النزاع، فلا بدّ لهم من القول بأنّها واجبة في حدّ ذاتها أيضا، كما أنّها واجبة للوصول الى الغير ليترتّب عليه عدم الاجتماع مع الحرام، و أن يكون بالخطاب الأصلي ليترتّب العقاب عليه، و أنّى لهم بإثباتها [1].
ثمّ إنّ هاهنا معنى آخر للاستلزام العقلي، و هو أنّ العقل يحكم بوجوب المقدّمة عند وجوب ذي المقدّمة، يعني أنّ وجوب أصل الفعل يحصل من الأمر، و وجوب مقدّمته يحصل من العقل و هو من أدلّة الشرع.
فهاهنا خطابان أصليّان للشارع تعالى، أحدهما بلسان الرّسول الظاهر، و ثانيهما بلسان الرّسول الباطن، و الى هذا ينظر استدلالهم الآتي [2] على إثبات وجوب مطلق المقدّمة.
و أنت خبير بأنّ ذلك لا يتمّ [حين] انفراد كلّ منهما عن الآخر حتّى يثبت الوجوب الذّاتيّ للمقدّمة، فتأمّل.
و لعلّنا نتكلّم بعض الكلام في تتميم هذا المرام في مباحث المفهوم و المنطوق.
الثامنة: قد أشرنا أنّ وجوب المقدّمة من التوصّليّات.
و المراد بالواجب التوصّليّ: هو ما علم أنّ المراد به الوصول الى الغير، و ليس هو مطلوبا في ذاته، و لذلك يسقط وجوب الامتثال به بفعل الغير أيضا، كغسل الثوب النّجس للصلاة، و بالإتيان به على الوجه المنهيّ عنه كالغسل بالماء المغصوب، و نحو ذلك. و هذا هو السرّ في عدم اشتراط النّية فيها، دون الواجبات
[1] و في بعض النسخ إفراد ضمير المؤنث أيّ بإثبات تلك الجملة.
[2] و هو قولهم: إنّ العقلاء يذمّون تارك المقدمة ... الخ. و قولهم: إنّ المقدمة لو لم تكن واجبة لجاز تركه ... الخ.