و إن شئت فتأمّل حال التخلخل من الحرارة و التكاثف من البرودة، بل
الجسم لا يصير جسما حتّى يصير بحيث يتبع غيره في الحركة، إلّا و قد تمّت طبيعته،
لكن يجوز أن يكون إذا تمّت طبيعته يستحفظ بأصلح المواضع لاستحفاظها؛ فإنّ الحارّ
يستحفظ حيث الحركة و البارد يستحفظ حيث السكون.
[الوجه الثاني]:
ثمّ لا يفكّرون أنّه لم وجب لبعض تلك المادّة أن هبط إلى المركز،
فعرض له البرد و لبعضه [3]
أن جاوز الفوق.
أمّا الآن فإنّ السبب في ذلك معلوم، أمّا في الكلّيات فالخفة و
الثقل؛ و أمّا في جزئي عنصر واحد. فلأنّه قد صحّ أن أجزاء العناصر كائنة، و أنّه
إذا تكوّن جزء منه في موضع ضرورة لزم أن يكون سطح منه إلى الفوق [4] إذا تحرّك إلى فوق كان ذلك السطح
أولى بالفوقية من السطح الآخر. و أمّا في أوّل تكوّنه فإنّما يصير سطح [5] منه إلى فوق و سطح إلى أسفل؛ لأنّه
لا محالة قد استحال بحركة ما، و أنّ الحركة أوجبت له ضرورة وضعا ما.