المادية تفعل فعلا لا تحتاج فيه إلى المادّة. و كلّ شيء يفعل فعله
من غير أن يحتاج إلى المادّة فذاته أوّلا غنية عن المادّة، فتكون الصورة [1] المادية غنية عن المادّة.
و بالجملة فإنّ الصورة المادية و إن كانت علّة للمادّة في أن
تخرجها إلى الفعل و تكمّلها، فإنّ للمادّة أيضا
[2] تأثيرا في وجودها، و هو تخصيصها و تعيينها، و إن كان مبدأ الوجود
من غير المادّة- كما قد علمت- فيكون [3] لا محالة كلّ واحد [4] منهما علّة للأخرى في شيء، و ليستا
[5] من جهة واحدة. و لو لا ذلك لاستحال أن يكون للصورة المادية تعلّق
بالمادّة بوجه من الوجوه.
كذلك [6]
قد سلف منّا القول [7]
إنّ المادّة لا تكفي في وجودها الصورة فقط، بل الصورة كجزء العلّة، و إذا كان كذلك
فليس يمكن أن تجعل [8]
الصورة من كلّ وجه علّة للمادّة مستغنية بنفسها.
فبيّن أنّه لا يجوز أن يكون المعلول الأول صورة مادية، و لأن لا
يكون مادّة أظهر فواجب أن يكون المعلول الأوّل صورة غير مادية أصلا، و [9] عقلا.