فإنّا نتكلّم في حدوث الحادث عنه نفسه بلا واسطة أمر يحدث، فيحدث
به الثاني كما يقولون في الإرادة و المراد.
و العقل الصريح الذي لم يكدّر بأوّل فطرته
[1] يشهد أنّ الذات الواحدة إذا كانت من جميع جهاتها كما كانت فكأنّ [2] لا يوجد عنها فيما قبل شيء و هي
الآن كذلك، فالآن أيضا لا يوجد عنها شيء. فإذا صار الآن يوجد عنها [3] شيء، فقد حدث في الذات قصد [4] إرادة أو طبع أو قدرة و تمكّن، أو
شيء ممّا يشبه هذا لم يكن.
و من أنكر هذا فقد فارق مقتضى عقله لسانا، و يعود إليه ضميرا؛ فإنّ
الممكن أن يوجد و أن لا يوجد لا يخرج إلى الفعل و لا يترجّح له أن يوجد إلّا بسبب.
و إذا كانت هذه الذات الّتي للعلّة كانت و لا تترجّح- و لا يجب
عنها هذا الترجيح [5] و لا داعي و لا مصلحة و لا غير ذلك-
فلا بدّ من حادث موجب [6]
للترجيح [7] في هذه
[8] الذات إن كانت هي الفاعلة و إلّا كانت نسبتها إلى ذلك الممكن على
ما كان قبل، و لم تحدث لها نسبة أخرى، فيكون الأمر بحاله، و يكون الإمكان إمكانا
صرفا بحاله.
و إذا [9]
حدثت لها نسبة، فقد حدث أمر، و لا بدّ من أن يحدث