يحكى أنّ شخصين من هذه الطّائفة بنيا
[2] رباطين للمسافرين، و جلسا هناك للخدمة. فسأل أحدهما الآخر عن غرضه،
فقال: بسطت [3] شبكة
[4] لعلّى اصطاد كركيّا. فقال الآخر: لكنّى لا أصطاد إلّا الكركىّ. و
هذا دليل على أنّ الأوّل كان بعد [5] فى مقام التّصرّف و الصّعود من الخلق إلى الخالق، و الآخر كان [6] فى مقام الرّضا و النّزول من الخالق
إلى الخلق.
[الفصل الثّانى و العشرون [فى أحوال العارف في أوقات توجّهه بسرّه
إلى الحقّ]]
تنبيه: العارف له أحوال لا يحتمل فيها الهمس من الحفيف فضلا عن
سائر الشّواغل الخالجة، و هى في أوقات انزعاجه بسرّه إلى الحقّ إذا باح [7] حجاب من نفسه أو من حركة سرّه قبل
الوصول.
فأمّا عند الوصول: فإمّا شغل بالحقّ عن كلّ شىء، و إمّا سعة
للجانبين لسعة القوّة. و كذلك عند الانصراف في لباس الكرامة، فهو أهشّ خلق اللّه
تعالى ببهجته.
التّفسير: الهمس الصّوت الخفىّ. حفيف الفرس: دوىّ جريه و كذلك حفيف
جناح الطّائر.
باح بسرّه [8]:
أظهره. و المعنى أنّ العارف تارة [9] لا يحتمل الإحساس بالأمور الخارجيّة، و تارة يحتمله.
أمّا الأوّل فذلك عند الذّهاب إلى اللّه تعالى، لأنّ إحساسه بغيره و
إن قلّ يشوشّه و يصدّه عن الغرض.
فبمقدار [10]
شدّة [11] رغبته في ذلك الغرض تكون نفرته عن كلّ
ما يصدّ و يقطع. و أمّا الثّانى فعند الوصول إلى اللّه تعالى. ثمّ للنّفوس هناك
مرتبتان:
المرتبة الأولى أن تكون النّفس في غاية القوّة، فتكون وافية
بالجوانب، واسعة لها. فلا يكون التفاتها إلى الجانب السفلى مانعا لها عن الاشتغال
بالجانب العلوى، بل هذه النّفس عند الاتّصال بالمبادى العالية [12] تقوى و تنشط و يحصل لها من القوّة ما
لم يكن حاصلا قبل ذلك. كما أنّ البدن يصير عند النّشاط الشّديد أقوى و أقدر. فكذا
هذه النّفس تقوى عند [13]
هذا [14] الاتّصال، فتسع
[15]