المتوهّم للمداخلة. و اللّقاء المتوهّم للمداخلة يوجب أن يكون ملاقى الوسط ملاقيا للطّرف الآخر [1] ملاقاة الوسط له، و أن لا يتميّز في الوضع، إذا لا فراغ عن لقائه. فحينئذ لا يكون ترتيب و وسط و طرف و لا ازدياد حجم، و إذا كان شى‌ء من ذلك لم يكن ما يكون عند توهّم المداخلة من الملاقاة بالأسر، بل بقى فراغ و انقسم ما يتلاقى.

التّفسير: المقصود من هذا الفصل إبطال قول من قال: حقيقة الجسم إنّما تلتئم من اجتماع أجزاء متميّزة كلّ واحد منها لا يتجزّأ، و معلوم أنّ الكلام في ذلك لا يمكن إلّا بعد الكلام في تعريف حقيقة الجسم أوّلا. و نحن نقدّم على التّفسير بحثين:

البحث الأوّل: فى تعريف حقيقة [2] الجسم‌

الجسم يقال عند الحكماء باشتراك الإسم على شيئين: أحدهما الجسم الطّبيعى، و هو الجوهر الّذى يمكن أن تفرض فيه الأبعاد الثّلاثة المتقاطعة على الزّوايا القوائم. و ثانيهما الجسم التّعليمى، و هو الكمّ المتّصل الّذى يقبل التّجزئة في ثلاث جهات، و الجسم بهذا المعنى عرض.

و اعلم أنّ الجسم بالمعنى الأوّل ممّا لا نزاع فيه. و أمّا بالمعنى الثّانى، فبيان كونه مغايرا للجسم بالمعنى‌ [3] الأوّل أنّ القطعة من الشّمع إذا شكّلتها [4] بأشكال مختلفة فإنّ جسميّة تلك الشّمعة [5]. باقية بعينها مع أنّ المقادير المختلفة قد تعاقبت عليها؛ و الباقى غير الزّائل؛ فإذن الجسميّة مغايرة [6] للمقدار.

و هذا الفرق إنّما يصحّ بعد ثبوت أنّ الجسم بالمعنى الأوّل غير مركّب من الأجزاء الّتى لا تتجزّأ، لأنّ على تقدير أن يكون الأمر كذلك كان توارد المقادير عليه عبارة عن انتقال بعض تلك الأجزاء من سمت إلى سمت آخر. فأمّا إذا لم يكن الجسم مؤلّفا [7] من الأجزاء، بل كان متّصلا واحدا، فإذا جعلناه مثلا كرة كان ثخنه أعظم ممّا إذا [8] جعلناه صفحة، و ذلك الثّخن قد بطل عند ما جعلناه صفحة. فوجب أن يكون ذلك الثّخن الّذى زال مغايرا للجسميّة الباقية. فقد عرفت الفرق بين الجسم الطّبيعى و الجسم التّعليمى.

[1] - للطّرف الآخر: للآخر الطّرف م.

[2] - حقيقة:- مج.

[3] - للجسم بالمعنى: للمعنى مص.

[4] - إذا شكّلتها: إلى أشكالها م.

[5] - الشّمعة:- مج.

[6] - الجسميّة مغايرة: الجسم الجسميّة غير م.

[7] - مؤلّفا: متألّفا م.: مؤتلفا مج.

[8] - ممّا إذا: ممّا مج، مص.