و لقائل أن يقول: لو لزم من كون المحرّك غير جسم و لا حالّ فيه [2] أن يكون عقلا، لكانت النّفوس النّاطقة
عقولا محضة؛ لأنّها ليست أجساما و لا حالّة فيها. بل الشّرط في كون الشّىء عقلا
مع هذين القيدين أن لا يكون له تعلّق بالأجسام بالتّدبير و التّصرّف. و هذا القيد
ممّا لم يثبت بعد بالدّلالة.
[الفصل الخامس و العشرون [فى بيان أنّ الملاصق للتّحريك قوة
جسمانيّة، و الجواهر المجرّدة الّتى اثبتناها في الفصل السابق هى محرّكات بعيدة،
فلا تعارض]]
وهم و تنبيه: و لعلّك تقول: قد جعلت
[3] السماء يتحرّك عن مفارق، و قد كنت من قبل منعت أن يكون المباشر
للتّحريك أمرا عقليّا صرفا، بل قوّة جسمانيّة. فجوابك أنّ هذا الّذى ثبت هو محرّك
أوّل. و يجوز أن يكون الملاصق للتّحريك قوّة جسمانيّة.
التّفسير: تقرير السؤال أن يقال: إنّه
[4] قد بيّن [5]
فى آخر النّمط الثّالث أنّ المباشر للتّحريكات الجزئيّة يستحيل أن يكون جوهرا
مجرّدا، و الآن أسندها إليه؛ و هذا تناقض. فأجاب أنّ
[6] هذه الجواهر المجرّدة الّتى أثبتناها
[7] الآن هى محرّكات أول [8] بعيدة، و أمّا الملاصق للتّحريك و المبدأ القريب لها [9] فقوى جسمانيّة.
و لقائل أن يقول: هذا الّذى يقولونه من أنّ العقل مبدأ بعيد، و
النّفس مبدأ قريب، كلام غير محصّل. بيانه أنّ المؤثّر في وجود هذه الحركات
الفلكيّة: إمّا القوّة الجسمانيّة، أو الغير الجسمانيّة. و على التّقديرين يكون
المؤثّر شيئا [10] واحدا، و يتوجّه الإشكال. أللّهم إلّا
أن يريدوا بكون النّفس علّة قريبة أنّها [11] هى المؤثّرة في الحركات و الموجدة
[12] لها، و [13]
بكون العقل علّة بعيدة أنّه هو [14] المؤثّر في وجود النّفس و الموجد لها. و هذا معقول مفهوم، لكنّ
العقل لا يكون [15] علّة للحركات ألبتّة، بل علّة لعلّتها [16]. و النّفس الجسمانيّة [17] هى العلّة للحركات [18] الغير
[19] المتناهية [20]
فقط، و حينئذ يتوجّه الإشكال.