فطرب
الشيخ و صاح ثم رمى بنفسه بثيابه في الفرات، و جعل يغوص في الفرات و يطفو و يقول:
أنا الأرقم! أنا الأرقم! فألقوا أنفسهم خلفه، فبعد لأي ما استخرجوه، و قالوا له:
يا شيخ، ما حملك على ما صنعت؟ فقال: إليكم عنّي! فإنّي و اللّه أعرف من معاني
الشعر ما لا تعرفون. و قال إسماعيل في خبره/ فقلت له: ما أصابك؟ فقال: دبّ شيء من
قدمي إلى رأسي كدبيب النمل و نزل في رأسي مثله، فلمّا وردا على قلبي لم أعقل ما
عملت.
و أمّا ما في
الخبر من الصّنعة في: «قالت إذا الليل دجا» فإنّ لحن الواثق هو المشهور، و ما وجدت
في كتب «الأغاني» غيره، بل سمعت محمد بن إبراهيم المعروف بقريض و ذكاء وجه الرّزّة
يغنّيان فيه لحنا من الثقيل الأوّل المذموم؛ فسألتهما عن صانعه فلم يعرفاه، و ذكرا
جميعا أنّهما أخذاه/ عن أحمد بن أبي العلاء.
علمه بالغناء
و عدد أصواته و ذكر المشهور منها:
و أخبرني
الصولي عن أحمد بن محمد بن إسحاق عن حمّاد بن إسحاق قال:
كان الواثق
أعلم الخلفاء بالغناء، و بلغت صنعته مائة صوت، و كان أحذق من غنّى بضرب العود.
قال: ثم ذكرها فعدّ منها:
يفرح الناس بالسّماع و أبكي
أنا حزنا إذا سمعت السّماعا
و لها في الفؤاد صدع مقيم
مثل صدع الزّجاج أعيا الصّناعا
الشعر للعبّاس
بن الأحنف. و الغناء للواثق خفيف ثقيل. و فيه لأبي دلف خفيف رمل.
و منها:
ألا أيّها النفس التي كادها الهوى
أ فأنت إذا رمت السّلوّ غريمي
أفيقي فقد أفنيت صبري أو اصبري
لما قد لقيتيه عليّ و دومي
الشعر و الغناء
للواثق خفيف رمل.
و منها:
سقى العلم الفرد الذي في ظلاله
غزالان مكحولان مؤتلفان
أرغتهما ختلا فلم أستطعهما
و رميا ففاتاني و قد قتلاني
/ الغناء للواثق ثقيل أوّل. و فيه لإسحاق رمل و
هو من غريب صنعته، يقال إنه صنعته بالرّقّة.