فأمرني الواثق
فكتبت له الشعرين. فلمّا كان بعد أيّام دعاني فقال: قد صنع بعض عجائز دارنا الشعرين
لحنا فاسمعه، فإن ارتضيته أظهرناه و إن رأيت فيه موضع إصلاح أصلحته. فغنّي لنا من
وراء الستار، فكان في نهاية الجودة، و كذلك كان يفعل إذا صنع شيئا. فقلت له: أحسن
و اللّه صانعه يا أمير المؤمنين ما شاء!. فقال: بحياتي؟
فقلت: و
حياتك،/ و حلفت له بما وثق به، و أمر لي برطل فشربته، ثم أخذ العود فغنّاه ثلاث
مرات، و سقاني ثلاثة أرطال و أمر لي بثلاثين ألف درهم. فلما كان بعد أيّام دعاني
فقال: قد صنع أيضا عندنا في الشعر الآخر، و أمر فغنّي به؛ فكانت حالي فيه مثل
الحال في الأوّل. فلما استحسنته و حلفت له على جودته ثلاث مرات، سقاني ثلاثة أرطال
و أمر لي بثلاثين ألف درهم. ثم قال لي: هل قضيت حقّ هديّتك؟ فقلت: نعم يا أمير
المؤمنين؛ فأطال اللّه بقاءك، و تمّم نعمتك، و لا أفقدنيها منك و بك. ثم قال: لكنك
لم تقض حقّ جليسك الأعرابيّ و لا سألتني معونته على أمره، و قد سبقت مسألتك و كتبت
بخبره إلى صاحب الحجاز و أمرته بإحضاره، و خطبت المرأة له و حمل صداقها إلى قومها
عنه من مالي. فقبّلت يديه و قلت: السّبق إلى المكارم لك، و أنت أولى بها من عبدك و
من سائر الناس.
نسبة ما في
هذه الأخبار من الأغاني:
منها الصوتان
اللذان في الأخبار المتقدّمة.
صوت
حتى إذا الليل خبا ضوأه
و غابت الجوزاء و المرزم
أقبلت و الوطء خفيّ كما
ينساب من مكمنه الأرقم
ذكر يحيى
المكيّ أنّ اللحن لابن سريج رمل بالسبّابة في مجرى البنصر، و ذكر الهشاميّ أنه
منحول.
طرب شيخ
لسماع مغنية فرمى بنفسه في الفرات:
فأخبرني أحمد
بن عبيد اللّه بن عمّار و إسماعيل بن يونس و غيرهما قالوا حدّثنا عمر بن شبّة قال
حدّثني إسحاق بن إبراهيم عن ابن كناسة قال:
اصطحب شيخ مع
شباب في سفينة في الفرات و معهم مغنّية. فلمّا صاروا في بعض الطريق قالوا للشيخ:
معنا جارية لبعضنا و هي مغنّية، فأحببنا أن نسمع غناءها فهبناك، فإن أذنت لنا
فعلنا. قال: أنا أصعد إلى طلل [2] السفينة، فاصنعوا أنتم ما شئتم. فصعد، و أخذت
الجارية عودها فغنّت: