فقال له بلال:
قد علمت أن هذا شيء قلته أنت و نسبته إلى الحطيئة، و إلا فهل كان يجوز أن يمدح
الحطيئة أبا موسى بشيء لا أعرفه أنا و لا أرويه! و لكن دعها تذهب في الناس و
سيّرها حتى تشتهر، و وصله.
يرى المفضل
الضبي أنه أفسد شعر العرب بتخليطه و نحله شعره للقدماء:
أخبرني محمد بن
خلف وكيع قال سمعت أحمد بن الحارث الخرّاز يقول سمعت ابن الأعرابي يقول سمعت
المفضّل الضّبيّ يقول:
قد سلّط على
الشعر من حماد الراوية ما أفسده فلا يصلح أبدا. فقيل له: و كيف ذلك؟ أ يخطئ في
روايته أم يلحن؟ قال: ليته كان كذلك، فإن أهل العلم يردّون من أخطأ إلى الصواب، لا
و لكنه رجل عالم بلغات العرب و أشعارها، و مذاهب الشعراء و معانيهم، فلا يزال يقول
الشعر يشبه به مذهب رجل و يدخله في شعره، و يحمل ذلك عنه في الآفاق، فتختلط أشعار
القدماء و لا يتميز الصحيح منها إلا عند عالم ناقد، و أين ذلك!.
اجتمع مع
المفضل الضبي عند المهدي فأجازه لجودة شعره و أبطل روايته:
أخبرني رضوان
بن أحمد الصّيدلانيّ قال حدّثنا يوسف بن إبراهيم قال حدّثني أبو إسحاق إبراهيم بن
المهدي قال حدّثني السّعيدي الراوية و أبو إياد المؤدّب- و كان مؤدّبي ثم أدّب
المعتصم بعد ذلك و قد تعالت سنّه- و حدّثني بنحو من ذلك عبد اللّه بن مالك و سعيد
بن سلم [2] و حدّثني به ابن غزالة أيضا و اتفقوا عليه:
/ أنهم كانوا
في دار أمير المؤمنين المهدي [3] بعيساباذ، و قد اجتمع فيها عدّة من الرواة و
العلماء بأيام العرب و آدابها و أشعارها و لغاتها، إذ خرج بعض أصحاب الحاجب، فدعا
بالمفضّل الضّبّي الراوية فدخل، فمكث مليّا ثم خرج إلينا و معه حمّاد و المفضّل
جميعا و قد بان في وجه حماد الانكسار و الغم، و في وجه المفضّل السرور و النشاط،
ثم خرج حسين الخادم معهما [4]، فقال يا معشر من حضر من أهل العلم: إن أمير
المؤمنين يعلمكم أنه قد وصل حمادا الشاعر بعشرين ألف درهم لجودة شعره و أبطل
روايته لزيادته في أشعار/ الناس ما ليس منها، و وصل المفضّل بخمسين ألفا لصدقه و
صحة روايته، فمن أراد أن يسمع شعرا جيدا محدثا فليسمع من حماد، و من
[1]
تقدّم شرح هذين البيتين في الجزء الثاني من هذه الطبعة (في الحواشي 4، 5، 6 ص 175
و الحواشي 1، 2، 3 ص 176).
[2] كذا في
ح. و لعله سعيد بن سلم الباهلي أبو عمرو و قد كان معاصرا لعبد اللّه بن مالك
الخزاعي. و في ب، س: «سعيد بن مسلم».
و في سائر
الأصول: «سعيد بن سليم».
[3] عيساباذ:
أي عمارة عيسى، لأن كلمة «باذ» فارسية معناها عمارة، و هذه محلة كانت شرقي بغداد و
منسوبة إلى عيسى بن المهدي و كانت إقطاعا له. و بها مات موسى بن المهدي بن الهادي.
و بها بنى المهدي قصره الذي سماه قصر السلام.
[4] كذا في
جميع الأصول. و لعل هذه الكلمة مقحمة أو محرّفة عن «بعدهما».