معتزلا
بها ناحية في محمل و أطرح على المحمل من أعبية [1] الجمّالين، و أجلس أنا و هي تحت
ظلّها، فأخرج شيئا فنأكله، و نضع ركوة [2] فيها [3] لنا شراب، فنشرب و نتغنّى حتى
نرحل. و لم نزل كذلك حتى قربنا من الشأم. فبينا أنا ذات يوم نازل و أنا ألقي عليها
لحني:
/- الشعر لكثيّر [7] يرثي عبد العزيز بن مروان.
و زعم بعض الرواة أن هذا الشعر ليس لكثيّر و أنه لعبد الصمد بن عليّ الهشاميّ يرثي
ابنا له. و الغناء لدحمان، و لحنه من الثقيل الأوّل بالخنصر في مجرى البنصر-.
قال: فرددته
عليها حتى أخذته و اندفعت تغنّيه، فإذا أنا براكب قد طلع فسلم علينا فرددنا عليه
السلام؛ فقال:
أ تأذنون [8]
لي أن أنزل تحت ظلّكم هذا ساعة؟ قلنا نعم، فنزل؛ و عرضت عليه طعامنا و شرابنا
فأجاب، فقدّمنا إليه السّفرة فأكل و شرب معنا، و استعاد الصوت مرارا. ثم قال
للجارية: أ تغنّين لدحمان شيئا؟ قالت نعم. قال: فغنّته أصواتا من صنعتي، و غمزتها
ألا تعرّفه أني دحمان؛ فطرب و امتلأ سرورا و شرب أقداحا و الجارية تغنّيه حتى قرب
وقت الرحيل؛ فأقبل عليّ و قال: أ تبيعني هذه الجارية؟ فقلت نعم؛ قال: بكم؟ قلت
كالعابث: بعشرة آلاف دينار؛ قال: قد أخذتها بها، فهلمّ دواة و قرطاسا، فجئته بذلك؛
فكتب: «ادفع إلى حامل كتابي هذا حين تقرؤه عشرة آلاف دينار، و استوص به خيرا و
أعلمني بمكانه» و ختم الكتاب و دفعه إليّ؛ ثم قال: أ تدفع إليّ الجارية أم تمضي
بها معك حتى تقبض مالك؟ فقلت: بل أدفعها إليك؛ فحملها و قال: إذا جئت البخراء [9]
فسل عن فلان و ادفع كتابي هذا إليه و اقبض منه مالك؛ ثم انصرف بالجارية. قال: و
مضيت، فلما وردت البخراء سألت عن اسم الرجل، فدللت عليه، فإذا داره دار ملك، فدخلت
عليه و دفعت إليه الكتاب، فقبّله و وضعه/ على عينيه، و دعا بعشرة آلاف دينار
فدفعها إليّ، و قال: هذا كتاب أمير المؤمنين، و قال لي: اجلس حتى أعلم أمير
المؤمنين بك؛ فقلت له: حيث كنت فأنا عبدك و بين يديك، و قد كان أمر لي بأنزال [10]
و كان بخيلا، فاغتنمت [11] ذلك فارتحلت؛ و قد كنت أصبت بجملين، و كانت عدّة أجمالي
خمسة عشر فصارت ثلاثة عشر. قال: و سأل عنّي الوليد، فلم يدر القهرمان أين يطلبني؛
فقال