برزة: بل عمرو ابن أبي ربيعة- و طعن عمرو كليبا فحطم صلبه؛ و قال أبو
برزة: فسكت جسّاس،/ حتى ظعن [1] ابنا وائل؛ فمرّت بكر بن وائل على نهي [2] يقال له
شبيث فنفاهم كليب عنه و قال: لا يذوقون منه قطرة، ثم مرّوا على نهي آخر يقال له
الأحصّ فنفاهم عنه و قال: لا يذوقون منه قطرة؛ ثم مرّوا على بطن الجريب [3] فمنعهم
إيّاه؛ فمضوا حتى نزلوا الذّنائب [4]، و اتّبعهم كليب و حيّه حتى نزلوا عليه؛ ثم
مرّ عليه جسّاس و هو واقف على غدير الذنائب فقال: طردت أهلنا عن المياه حتى كدت
تقتلهم عطشا! فقال كليب: ما منعناهم من ماء إلا و نحن له شاغلون؛ فمضى جسّاس و معه
ابن عمه المزدلف. و قال بعضهم: بل جسّاس ناداه فقال: هذا كفعلك بناقة خالتي؛ فقال
له: أو قد ذكرتها! أما إني لو وجدتها في غير إبل مرّة لاستحللت تلك الإبل بها.
فعطف عليه جسّاس فرسه فطعنه برمح فأنفذ حضنيه [5]؛ فلما تداءمه [6] الموت قال: يا
جسّاس اسقني من الماء؛ قال: ما عقلت استسقاءك الماء منذ ولدتك أمّك إلا ساعتك
هذه!. قال أبو برزة:/ فعطف عليه المزدلف [7] عمرو بن أبي ربيعة فاحتزّ رأسه.
و أمّا مقاتل
فزعم أن عمرو بن الحارث بن ذهل الذي طعنه فقصم صلبه. [قال] [8]: و فيه يقول
مهلهل:
/ و قال العباس بن مرداس السّلميّ يحذّر كليب
[10] بن عهمة السّلميّ ثم الظّفريّ لما مات حرب بن أمية و خنقت الجنّ مرداسا و
كانوا شركاء في القرية [11] فجحدهم كليب حظّهم منها- و سنذكر خبر ذلك في آخر هذه
الأخبار إن شاء اللّه تعالى- فحذّره غبّ الظلم فقال:
أ كليب مالك كلّ يوم ظالما
و الظلم أنكد وجهه ملعون
[1]
كذا في ب. و في سائر الأصول: «طعن» بالطاء المهملة.
[2] النهي
(بالكسر في لغة أهل نجد، و غيرهم يقوله بالفتح): الغدير، و هو أيضا الموضع الذي له
حاجز ينهى الماء أن يفيض منه.
[3] الجريب:
واد عظيم بين أجلي و بين الذنائب و جبر، تجيء أعاليه من قبل اليمن حتى يصب في
الرمة. و الرمة: فضاء به أودية كثيرة بأرض نجد. قال الهمداني: هذا الجريب جريب
نجد، و في تهامة جريب آخر. (عن «معجم ما استعجم» و «معجم البلدان» لياقوت).
[9] الضرير:
الشدة، و يقال: فلان ذو ضرير إذا كان ذا صبر على الشرّ و مقاساة له. و ذو ضرير هنا
صفة لقتيل.
[10] كذا ورد
هذا الاسم في جميع الأصول هنا و كتاب «النقائض» (ص 907). و ورد في الأصول التي بين
أيدينا من «الأغاني» في أول أخبار أبي سفيان التي تقع في ج 6 ص 92 طبع بولاق:
«كليب بن أبي عهمة السلميّ».
[11] ذكر أبو
الفرج في ج 6 ص 92 و ج 20 ص 135 طبع بولاق: أن حرب بن أمية لما انصرف من حرب عكاظ
هو و أخوته مرّ بالقرية و هي إذ ذاك غيضة شجر ملتف لا يرام، فقال له مرداس بن أبي
عامر: أما ترى هذا الموضع؟ قال بلى؛ قال: نعم المزدرع هو، فهل لك أن نكونا شريكين
فيه و نحرق هذه الغيضة ثم نزدرعه بعد ذلك؟ قال نعم؛ فأضرما النار في الغيضة، فلما
استطارت و علا لهبها سمع من الغيضة أنين و ضجيج كثير ثم ظهرت منها حيات بيض تطير
حتى قطعتها و خرجت منها، فلم يلبث حرب بن أمية و مرداس بن أبي عامر أن ماتا، فأما
مرداس فدفن بالقرية، ثم ادّعاها بعد ذلك كليب بن أبي عهمة السلمي ثم الظفري. و قال
أبو الفرج عند إيراده هذا الخبر في ذلك الموضع: «و هذا شيء قد ذكرته العرب في
أشعارها و تواترت الرواية بذكره، فذكرته، و اللّه أعلم».